.. ويدل عليه أيضًا: ما رواه مسلم عن عائشة قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي ? فيها عندي ... - فذكرت حديثًا طويلاً - وفيه أنها قالت: يا رسول الله، مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: (( نعم ... ) )الحديث، وهذا موضع الشاهد منه، فهذه عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها وأرضاها - سألت النبي ?: هل يعلم الله كل ما يكتم الناس؟ فقال له النبي ?: (( نعم ) )، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك من قبل ولم تكن قبل معرفتها بذلك كافرة وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان لكنها عذرت لجهلها بذلك، مما يدل على أن العذر بالجهل من أصول الشريعة.
... ومن الأدلة أيضًا: قوله تعالى: ? وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ?، وقال تعالى: ? رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ?، فنفى الله العقوبة عن الذي لم تبلغه دعوة الرسل، ومن باب أولى نفى العقوبة عمن كان مؤمنًا بالله ورسوله ولم يبلغه بعض ما أخبر به الرسول ? فخالف فيه، فلا يحكم بكفر أحدٍ حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، والأدلة على ذلك الشرط كثيرة، والمقصود أن العلم شرط والجهل مانع.
... الرابع: الإرادة، ومعناه أن يفعل الفعل الكفري أو يقول القول الكفري مريدًا مختارًا طائعًا، وضد الإرادة الإكراه، فالإرادة شرط والإكراه مانع.
... وبناءً عليه: فمن فعل أو قال شيئًا من المكفرات وهو مكره على ذلك فإنه لا يحكم عليه بمقتضاه، وذلك لفوات شرط وهو الإرادة ووجود مانع وهو الإكراه، قال تعالى: ? من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ?، وقال - عليه الصلاة والسلام: (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) )حديث حسن.