.. وحقيقة الكهانة: أنها صنعة مضادة لأصل التوحيد لما فيها من تصديق الجن فيما تخبره به من الغيب، فهي مضادة كل المضادة لقوله تعالى: ? قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ?، ولقوله تعالى: ? عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول ... ? الآية، فالكاهن لابد لكي يخدموا بذكر الأمور المغيبة لهم أن يتقربوا إلى الجني ببعض العبادات إما بالذبح أو الاستغاثة أو بالكفر بالله بسب المصحف أو إهانته ونحو ذلك، حتى ترضى عليهم الشياطين، فتخبرهم ببعض الأمور الغائبة، فهم دجالون كذابون أفاكون يعتمدون في مثل هذه الأخبار على نقل الدجالين الكذابين الأفاكين، والله أعلم.
... ج 69: الإتيان إليهم لا يخلو: إما أن يكون لفضح حالهم والإنكار عليهم وبيان تناقضهم وللأخذ على أيديهم أو للتحقق من حالهم ومعرفة حقيقة أمرهم، فهذا مأمور به لأنه من جملة الإنكار، بل هو من الواجبات على من أعطاه الله نفوذًا وسلطانًا على الإنكار باليد أو اللسان، وهو من أعظم القربات - جزى الله فاعله خير الجزاء أن يريح الأمة من هذه الطائفة العفنة -، فهذا هو حالة الأولى.
... وأما الحالة الثانية: أن يأتيهم يسألهم لمجرد الاطلاع على صنعتهم ولا ينوي شيئًا مما ذكرناه في الحالة الأولى ولا يصاحب ذلك الاطلاع والسؤال تصديق فيما يخبرون به من الغيب، فهذا الإتيان محرم وكبيرة من كبائر الذنوب وموجب للعقوبة لما فيه من تعريض التوحيد للخطر، ولأنه وسيلة من وسائل الوقوع في حبائلهم والاغترار بحالهم، ولما فيه من فتح الذهاب إليهم واغترار الجهال بما هم عليه من الكفر والشرك، ولأنه إذا لم ينكر هذا المنكر بما يقدر عليه من مراتب الإنكار فإنه يكون بذلك قد ترك واجبًا ومن ترك واجبًا فإنه لزامًا يقع في الحرام؛ لأن ترك الواجب وقوع في المحرم.