... ج 367: أقول: هذه الطوائف الثلاث هم المنحرفون عن منهج النبي ? وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ، في العقيدة والعمل، فإنه قد تقرر لنا سابقًا أن النبي ? وأصحابه التابعين كانوا على الصراط المستقيم علمًا وعملاً، فقد حققوا الإيمان بالله واليوم الآخر وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته وهم في عملهم مخلصون لله تعالى، متبعون لشريعته فلا شرك ولا ابتداع ولا تحريف ولا تكذيب، وأما المنحرفون عن منهجه فهم طوائف ثلاث، وهي هذه الطوائف التي ذكرها أبو العباس - رفع الله نزله في الفردوس الأعلى - في الفتوى الحموية:
... فأما أهل التخييل: فهم الفلاسفة والباطنية ومن سلك سبيلهم من المتكلمين وغيرهم، وحقيقة مذهبهم أن ما جاءت به الأنبياء مما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو أمثال مضروبة وتخييلات لا حقيقة لها في الواقع، وإنما المقصود بها انتفاع العامة وجمهور الناس؛ لأن الناس إذا قيل لهم: إن لكم ربًا عظيمًا رحيمًا قادرًا قاهرًا سميعًا بصيرًا، وأمامكم يومًا عظيمًا تبعثون فيه وتحاسبون فيه على كل صغيرة وكبيرة، استقامت أمورهم وصاروا على الطريقة المطلوبة، ولكن في حقيقة الأمر لا حقيقة لهذه الأخبار، هكذا زعم هؤلاء الكفار الفجار.
... وقد انقسموا إلى قسمين: إلى غلاةٍ، وغير غلاة.
... فأما غلاتهم، فإنهم يزعمون أن الأنبياء أيضًا لم يكونوا يعلمون حقائق هذه الأمور وأنه قد لُبِّسَ عليهم، فهم والعامة سواء، وإنما الذي يعلم حقيقة هذه الأخبار هو الكبراء والأولياء من أهل مذهبهم، فزعموا أن الفلاسفة والأولياء أعلم بالله واليوم الآخر من الأنبياء والمرسلين.