.. ج 32: أقول: كيف يكون مدحًا وقد جعله من السحر، بل هو ذم لا مدح، فإن البيان والفصاحة وحسن تصفيف الكلام إذا كان مفضٍ إلى جعل الحق باطلاً والباطل حقًا، فإن صاحبه مذموم؛ لأنه يعمل عمل الساحر الذي يخيل على الناس، وهذا كمن أوتي بلاغة وفصاحة فسخرها في قلب الحقائق وتزيين الباطل وتشويه صورة الحق، كمن يمتدح بالخمر بالأبيات المقفاة الموزونة، أو يتغزل بنساء المسلمين بالعبارات الجذابة البراقة الخادعة، أو يظهر نفي الصفات في صورة التنزيه، أو يجعل التحريف والإلحاد تأويلاً ويسميه بغير اسمه لتقبله النفوس، أو يسمى اختلاط الرجال بالنساء في دور التعليم تقدمًا وحضارة، أو يعبر عن ترك النساء للحجاب وتمردهن على تعاليم الشريعة تحريرًا لها من رق العبودية وسلاطة الرجال، وما أكثر أهل هذا البيان، نعوذ باله من حالهم وكفانا شرورهم، ولذلك جعل الشيخ محمد - رحمه الله تعالى - هذا البيان نوعًا من أنواع السحر، وهذا دليل على أنه مذموم، والله أعلم.
... ج 33: أقول: هذا من دقيق فهم السلف - رحمهم الله تعالى - فإن مقصود الساحر هو التفريق والإفساد، والنمام يفعل هذا الفعل تمامًا، بل وأعظم، فكم من بيوت تفرق أفرادها بسبب نميمة، وكم من محبة انقلبت عداوة بسبب نميمة، وكم من نفس قتلت بغير حق بسبب نميمة، وكم من قرب تحول بعدًا بسبب نميمة، وكم من خلةٍ انقلبت حقدًا وكرهًا بسبب نميمة، وهذا هو شأن الساحر لكنه لا يكفر بذلك؛ لأنه لم يفعل كفرًا كالساحر ولكنه فعل كبيرة من الكبائر، قال - عليه الصلاة والسلام: (( لا يدخل الجنة قتات ) )، وقال - عليه الصلاة والسلام: (( ألا أنبئكم ما العضه، هي النميمة القالة بين الناس ) )، فنعوذ بالله منها ونسأله جل وعلا أن يعصم ألسنتنا منها، والله أعلم.