فهرس الكتاب
الصفحة 192 من 614

.. ج 171: هذا سؤال مهم جدًا؛ لأننا إذا عرفنا سبب الضلال حذرناه وابتعدنا عنه فأقول: اعلم أن القدرية والجبرية كانوا أخوين يمشيان في طريق واحد، وعندهم قاعدة قد أصلوها واعتمدوها، وهي أن كل شيء يشاؤه الله فهو يحبه، فالمشيئة عندهم مرادفة للمحبة، إلى هنا وهم متفقون، لكن لما نظروا إلى الأشياء الموجودة في الكون وجدوا فيها الكفر والشرك والبدعة والزنا وشرب الخمور وعقوق الوالدين والسرقة ونحو ذلك من الآثام.

... فقالت الجبرية: بما أن هذه الأشياء قد شاءها الله وأوجدها فهو يحبها ونحن مجبورون على فعلها، فترى الواحد منهم يقارف الذنب ويرى أنه يفعل عين ما يحبه الله تعالى؛ لأن الله شاءه وكل شيء يشاؤه فهو يحبه.

... وأما القدرية فإنهم لما نظروا إلى نتيجة هذه القاعدة وقفوا متحيرين وتعاظموا أن يقولوا إن الله يحب الكفر والزنا واللواط والخمر ونحو ذلك؛ لأن وجودها في الكون دليل المشيئة لها والمشيئة عندهم مرادفة للمحبة فقالوا: لا حل عندنا إلا أن نقول إن العبد هو الذي يخلق هذه الأفعال وأن الله تعالى لم يشأها منه ولا أرادها أن تقع في الكون، لكن العبد هو الذي أوجدها بنفسه استقلالاً، وهم بذلك قد وقعوا في شر مما فروا منه، فأنت ترى أن سبب ضلال هاتين الفرقتين هو أنهم جعلوا مشيئة الله وإرادته شيئًا واحدًا لا ينقسم وأنها مرادفة للمحبة ولهذا لزم عليهم هذه اللوازم الباطلة.

... فالجبرية والقدرية اتفقوا في الأصل والقاعدة، واختلفوا لما ظهرت نتائجها، فالجبرية رضيت بها، وأما القدرية فرفضت هذه النتيجة لكن القدرية لم يتجرءوا على تغيير هذه القاعدة واستطاعوا تحريف كلام الله وكلام رسوله ? ليتوافق مع أهوائهم ومذاهبهم، فنعوذ بالله من أسباب الضلال ونسأله جل وعلا أن يهدينا رشدنا، والله أعلم.

... س 172: ما مذهب أهل السنة في إرادة الله جل وعلا؟ مع بيان ذلك بالتقسيم والتدليل وبيان وجه الفرق.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام