.. ومثال آخر: لو أن إنسانًا خير بين سيارتين لشراء واحدة منهما، فهو مخير إن شاء اشترى هذه السيارة وإن شاء اشترى الأخرى، فهذا الفعل أي شراء إحدى السيارتين فعل داخل تحت قدرته واختياره، فهو بهذا الاعتبار مخير، ولكن اعلم أنه لن يشتري إلا السيارة التي كتبت له وقدرت له، وسبق بها علم الله تعالى وشاءها له، وهو بهذا الاعتبار مسير.
... وعلى ذلك فقس، فأيضًا أهل السنة - رحمهم الله تعالى - بهذا القول قد سلكوا مسلك الوسطية كعادتهم رفع الله نزلهم في الفردوس الأعلى، والله أعلم وأعلى.
... ج 167: مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان بالقدر لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب، بل يقولون: إن الأخذ بالأسباب من الإيمان بالقدر، فمباشرة الأسباب من تمام الإيمان بالقدر، ولهذا فيجب على العبد مع الإيمان بالقدر الاجتهاد في العمل والأخذ بأسباب النجاة والالتجاء إلى الله تعالى بأن ييسر له أسباب السعادة، وأن يعينه عليها، ونصوص الكتاب والسنة حافلة بالأمر باتخاذ الأسباب المشروعة في مختلف شؤون الحياة، فقد أمرت بالعمل وطلب الرزق واتخاذ العدة لمواجهة العدو والتزود للأسفار وغير ذلك، كما قال تعالى: ? فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون ?، وقال تعالى: ? هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ?، وقال تعالى: ? وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ?، وقال تعالى: ? وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ?، وقال تعالى: ? وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ?.