الثالث: أن الذي يعلم السر وأخفى ويعلم ما كان وما سيكون قد سطر لهم في كتابه أجمل الذكر والثناء وأعظم المدح، وأخرج ذلك مخرج الأخبار التي لا يدخلها النسخ وأخبر أن كتابه هذا سيبقى إلى أن يرفع في آخر الزمان، ولا تزال هذه الآيات التي فيها الثناء على الصحابة ومدحهم تقرأ في الربط والمدارس والمساجد والدور وتحفظ في الصدور، فمحال مع ذلك أن يكون الحال قد أختلف، وأن هذه الآيات لا تصح في دلالتها لأنها تمدح قوما حقهم السب والشتائم هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل، بل نقول: أن كل من أثنى الله عليه في القرآن خيرا فإنه سيموت على ذلك ولا شك إذ لا تبديل في القرآن ولا تغير ولا زيادة ولا نقص فما مدحهم الله هذا المدح ولا أثنى عليهم هذا الثناء إلا لأنهم أهله في حياتهم وبعد مماتهم وهذا وضح كل الوضوح إن شاء الله تعالى.
الرابع: أنه يستحيل في العقل السليم الاستحالة التامة أن يكون القوم الذين اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ونصرة دينه وإقامة شرعه وإبلاغ أحكامه أن يكونوا يستحقون اللعنة في باطن الأمر، بل العقل السليم يرفض الرفض الأكيد أن يكون هؤلاء القوم أعلا الأمة فضلا وأكبرهم قدرا وأزكاهم عقولا وابرهم قلوبا وأعظمهم إتباعا وأشدهم تمسكا، ومن يقول غير ذلك فإنه لا عقل عنده ولا نقل يعتمد عليه، بل ليس عنده إلا الهوى والجهل والحمق وإتباع الشيطان نعوذ بالله من حاله.
الخامس: إن من نظر في سيرة القوم بالعدل والإنصاف فإنه يعلم قطعا علو فضل الصحابة وأنه لا يكون إلا يكون مثلهم، ولذلك فإنه لا يقدح فيهم ولا يثرب عليهم إلا الجاهل بحقيقة حالهم، وما هم عليه من كمال العلم النافع والعمل الصالح، رضي الله عنهم وأرضاهم ورفع نزلهم في جنات عدن وجمعنا بهم في الجنة والله أعلم.
ج/ أقول: أختلف العلماء في ذلك على قولين مشهورين: