.المثال الرابع: الجسم، احذر كل الحذر من أن تقول: الله جسم، أو تقول: الله ليس بجسم، فلا تثبت اللفظ ولا تنفيه؛ لأنه لفظ لم يرد إثباته ولا نفيه في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة وتابعيهم وأئمة السلف، ولا تتكلم به وأعرض عنه، وأما معناه فنستفصل فيه ونقول: هل تريد بالجسم ما هو معهود في حقنا من كونه أجزاءً وأبعاضًا يفتقر بعضها إلى بعض؟ فإن كنت تريد فإن هذا نقص، والله منزه عن النقص، بل هو عين مذهب أهل التمثيل، فهذا معنى باطل كل البطلان لأنه مفضٍ إلى تمثيل الله بخلقه ومفضٍ إلى تعطيله عما يجب له من الكمال، أم تريد بالجسم الذات الكاملة من كل وجه المتصفة بصفات الجلال والكمال والجمال على ما يليق به جل وعلا؟ فإن كنت تريد ذلك فهذا معنى حق لاشك فيه ولا ريب، بل هذا من مقتضيات الإيمان بالله تعالى، ولكن لا نطلق على ذلك لفظ (الجسم) وإنما نقول: لله ذات وصفات، هكذا قال أهل السنة.
... فهذه الأمثلة الأربعة توضح قولنا: (( ما لم يرد فيه دليل بخصوصه فلا نثبت لفظه ولا ننفيه ونستفصل في معناه، فإن أريد به الحق قبلناه وإن أريد به الباطل رددناه ) )ولعل الكلام قد اتضح - إن شاء الله تعالى -، والله أعلم.
... ج 194: أقول: اعلم - رحمك الله تعالى - أن نصوص الصفات لنا فيها نظران: نظر من ناحية معانيها، ونظر من ناحية كيفياتها.
... فأما باعتبار معانيها: فإننا نعلم معانيها ولا نجهلها، ومن نسب أهل السنة إلى الجهل بالمعنى فقد غلط غلطًا عظيمًا عليهم، بل الجهل بمعانيها هو مذهب المفوضة أهل التجهيل الذين قال عنهم أبو العباس: (( إن قولهم من شر أقوال أهل البدع ) )ا. هـ.