.. ج 47: الخوف هو الذعر، وهو نوع انفعال يحصل في النفس له أثر ظاهر بسبب توقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى، وقد ذكر أهل العلم أنه أنواع:
... الأول: الخوف الطبيعي الجبلي، كخوف الإنسان من النار أن تحرقه، أو من السبع أن يأكله، أو من الماء الكثير أن يغرق فيه، فهذا خوف لا يلام الإنسان عليه، فقد خاف كليم الله موسى - عليه السلام - من فرعون وقومه كما قال تعالى: ? فأصبح في المدينة خائفًا يترقب ?، وقد خاف نبي الله داود لما تسور عليه الخصمان كما قال تعالى: ? إذ دخلوا على داود ففزع منهم ?، وقال تعالى عن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام: ? فأوجس منهم خيفة ?، وهذا خوف طبيعي لا يلام العبد عليه.
... الثاني: الخوف الذي تسميه العلماء بخوف السر، ومعناه أن يخاف العبد من قبرٍ أو ميتٍ أو غائب بعيد عنه أن يصيبه بأذى، فهذا الخوف ليس به أسباب معلومة، بل لم يصدر هذا الخوف من هذا الرجل إلا لاعتقاده أن لهذا المخوف منه تصرفًا خفيًا في الكون بكونه قادرًا على أن يصيبه بأذى، وهذا الخوف شرك أكبر مخرج عن الملة، كما قال تعالى عن قوم هود أنهم قالوا له: ? إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ ? فقد كانوا يظنون ويعتقدون فيها أنها تصيب من أنكر عبادتها بالأذى مع أنها حجارة لا تضر ولا تنفع.
... الثالث: الخوف الذي يوجب لصاحبه ترك واجب أو فعل محرم، وهذا الخوف حرام في ذاته؛ لأنه وسيلة إلى الحرام ووسائل الحرام حرام، وذلك لقوله تعالى: ? فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ?، وقال تعالى: ? أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ?، وذلك كالخوف الذي يحمل صاحبه على ترك الدعوة المتعينة عليه، والخوف الذي يوجب ترك الجهاد، والخوف الذي يوجب طاعة المخلوق في معصية الخالق ونحو ذلك، فهذا الخوف حرام، والله أعلم.