.. واعلم - رحمك الله تعالى - أن هناك أشياء مباحة لا تعد من باب الموالاة لهم، وذلك كمعاملتهم بالحسنى واللطف ولاسيما المسالمين منهم، والصدقة على محتاجيهم والإهداء إليهم وقبول الهدية منهم، وتعزيتهم في مصائبهم على الوجه المشروع ورد التحية عليهم، ومعاملتهم في العقود المالية المباحة وتأجيرهم المساكن والدور بشرط أن لا تكون من بنيان المسلمين المجاورين ولا تتخذ كنيسة أو دار فساد، وكذلك استعمالهم عند الحاجة إليهم في الأمور العادية كإصلاح سيارة أو بناء مسكن أو صناعة شيء من الأشياء، وأيضًا السفر إليهم للأغراض المباحة مع توفر الشروط المعروفة وقد تقدم ذكرها، وكذلك زيارتهم للغرض المشروع، ومن ذلك أيضًا مصالحتهم ومسالمتهم عند الحاجة، والاستفادة من مخترعاتهم وصناعتهم، وأكل طعامهم إذا كانوا من أهل الكتاب وذكروا اسم الله على ذبائحهم، فهذه الصور وأشباهها لا تدخل في الموالاة الممنوعة، بل هي جائزة وقد ورد لكثير منها أدلة، لكن تركت ذكرها خشية الإطالة.
... وبهذا يتبين لك جليًا أن موالاة الكفار منها ما هو كفر وردة، ومنه ما هو كبيرة، ومنه ما هو صغيرة، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما قد يعده البعض من الموالاة لهم وهو ليس من الموالاة لهم في شيء، فلا يطلق على جميع صور الموالاة حكم واحد، بل لابد من معرفة عين الصورة وإنزالها على الأدلة الشرعية والاستنارة بآراء أهل العلم الراسخين، وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح، والله أعلى وأعلم.