.. وبهذه الأدلة يتضح وضوحًا جليًا أن الصحيح من أقوال أهل العلم في مؤمني الجن أنهم يدخلون الجنة ويتنعمون بما يتنعم به الإنس على اختلاف مراتبهم ودرجاتهم فيها، وبه تعلم أن من جملة النعيم، بل هو أعظمه وأكمله وأكبره رؤية الله تعالى، والجن إذا دخلوا الجنة ينعمون بكل النعيم، ومن ذلك رؤيته جل وعلا، والله أعلى وأعلم.
... ج 356: أقول: هذه من المسائل المهمة في هذا المبحث، والتي بمعرفة أقسامها يتحدد لك غالب المخالفات في هذا الباب، وبيانها أن يقال:
... استخدام الإنس والجن له أنواع:
... الأول: الاستخدام المحرم الشيطاني، وهو كاستخدام السحرة والكهنة والمشعوذين والعرافين، وكالذي يستخدمهم في سرقة الأموال ونهب المتاع ونحو ذلك، فهذا النوع محرم بالاتفاق، وهو يوصل صاحبه في كثير أحيانه إلى الكفر والشرك، وعليه يحمل قوله تعالى: ? وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا ?، فقد استخدموهم في الحفظ بصرف الاستعاذة لهم، وهذا شرك أكبر، وقوله تعالى: ? ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجَّلت لنا ... ? الآية، وهذا هو موضع الاستمتاع المحرم، فقد ذكر كثير من المفسرين أن استمتاع الإنس بالجن يكون بما يخبرونه به من الأمور الغائبة وبما يوفرونه له من خدمة في إيصال ما يريد إيصاله إلى الغير من الشر ونحو ذلك، وأن استمتاع الجن بالإنس يكون بما يفعله لهم من العبادات ويصرفه لهم من القربات والطاعات، وبما ينفذه لهم من أمور الشرك كالذبح لهم والاستعاذة والاستعانة بهم وبفعل الأمور العظام كالبول على المصحف وسب الله أو الشريعة أو الرسول، فكل ذلك مما يستمتع به الشياطين من الإنس، فالاستمتاع المذكور هو الاستمتاع المحرم الشيطاني.