.. ويدل عليه أيضًا: التقابل في الجزاء الذي هو مقتضى العدل، فإن المشرك منهم استحق النار بإساءته وخطيئته، فكذلك المسلم منهم يستحق الجنة بسبب إحسانه وطاعته، وهذا ما يسميه أهل الأصول بقياس العكس، ويدل عليه أيضًا: قوله تعالى: ? هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ?، فمن جاء بالإحسان من الطاعات وعمل الصالحات فإنه يجازى بالإحسان، وهذا وعد من الله تعالى، ووعده لا يخلف، وبناءً عليه فالجني إذا جاء بالإيمان، والصلاة، والزكاة، والبر، والصدقة، والصوم، والحج ونحو ذلك، فقد جاء بالإحسان فله الإحسان، وهذا دليل قوي في الموضوع لا ينبغي أن تغفل عنه.
... ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: ? ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلمًا ولا هضمًا ?، أي لا يخاف أن يوضع عليه وزر غيره ولا ينقص من ثواب عمله، وقوله: ? ومن ? اسم شرط، وهو من صيغ العموم كما تقرر في الأصول، فيدخل في ذلك الإنس والجن، فالجني إذا عمل صالحًا وهو مؤمن فإننا نقول له: لا تخف ظلمًا ولا هضمًا، وإذا كان لا يخاف عليه هضم حقه فلابد أن ينعم بهذا العمل الصالح الذي جاء به وهو مؤمن، وهذا واضح في أن مؤمنهم في الجنة يتنعم بما يتنعم به مؤمن الإنس، فليس عند ربنا جل وعلا لا ظلم ولا هضم؛ لأنه الحق الحكم ذو العدل الكامل من كل وجه، والله أعلم.
... ومثله في وجه الاستدلال قوله تعالى: ? ولمن خاف مقام ربه جنتان ?، فقوله: ? من ? هي اسم موصول بمعنى (الذي) ، والأسماء الموصولة من صيغ العموم، والأصل هو البقاء على العموم حتى يرد المخصص، فيدخل في هذا العموم الإنس والجن.
... ويدل عليه أنه قال بعدها مخاطبًا لهما: ? فبأي آلاء ربكما تكذبان ?، والله أعلم.