.. الثانية: أنهم لا يقفون عند هذا النفي فقط، بل يعتقدون أن الله تعالى لم ينف عنه هذه الصفة إلا لأنه متصف بكمال ضدها، فنفى عن نفسه الظلم لكمال عدله، ونفى عن نفسه الصاحبة والولد لكمال غناه عن كل أحد، ونفى عن نفسه السنة والنوم لكمال حياته وقيوميته، ونفى عن نفسه العجز واللغوب لكمال قوته وقدرته، ونفى عن نفسه أن يحاط به علمًا ورؤية لكمال عظمته وكبره وجلاله وعزته جل وعلا.
... فهذا معنى قول أهل السنة: (مع إثبات كمال الضد) ، أي كمال ضد الصفة المنفية، فالظلم ضده العدل، فانف الظلم وصِفْهُ بكمال العدل، والعجز ضده القدرة، فانف العجز وصِفْهُ بكمال القدرة، وهكذا والله أعلم.
... ج 187: الفرق التي خالفت أهل السنة - رحمهم الله تعالى - في هذا الباب فرقتان: الممثلة والمعطلة.
... فأما الممثلة فقالوا: نحن نثبت لله الأسماء والصفات، وهذا حق وصدق ولا ريب فيه، ويا ليتهم وقفوا عند ذلك، لكن أفسدوه بقولهم: على وجهٍ يماثل صفات المخلوقات المحدثات، أي هم يقولون: إثباتنا بتمثيل.
... وأما المعطلة فقالوا: نحن ننزه الله تعالى عن مماثلة المخلوقات المحدثات، وهذا حق وصدق لا ريب فيه، ويا ليتهم وقفوا عند ذلك، ولكن أفسدوه بقولهم: تنزيهًا ننفي معه الأسماء والصفات، بتفاوتٍ بينهم في هذا النفي، أي هم يقولون: تنزيهنا بتعطيل.
... فأنت ترى أن الممثلة قد غلوا في جانب الإثبات حتى مثلوا وفرطوا في جانب التنزيه، والمعطلة غلوا في جانب التنزيه حتى عطلوا وفرطوا في جانب الإثبات، وأما أهل السنة الموفقون المهديون أهل الحديث والأثر فلا غلو عندهم ولا تفريط، بل هي الوسطية التي هي عادتهم في كل أبواب الاعتقاد، وإذا أردت أن تعرف وسطيتهم.