.. فهذا القول باطل كل البطلان، لفساده في جميع نتائجه - أعني القول بأن الحق مع الخلف -؛ لأنه مفضٍ إلى لوازم كلها فاسدة باطلة، وقد تقرر في الأصول أن فساد اللازم دليل على فساد الملزوم، فإذا بطل ذلك الأمر لزم الأمر الآخر وهو أن الحق مع السلف، ومن كان الحق معه فمذهبه هو الصحيح، وهذا هو الذي لا يجوز القول بغيره، ولا تنس أن من جملة نواقض الشهادتين أن يعتقد العبد أن هدي غير رسول الله ? أكمل من هديه، فنعوذ بالله من الأقوال المخالفة للكتاب والسنة، والله أعلم.
... الوجه السابع: أن كبار المتعمقين في مناهج الخلف قد أعلنوها صريحة أنهم ليسوا على شيء وأن أصولهم وقواعدهم التي عظموها وأفنوا فيها أعمارهم وألَّفُوا فيها المؤلفات وأشغلوا في تقريرها الأوقات إنما هي كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه بعد جهدٍ جهيد لم يجده شيئًا وأنها لا توصل إلى الهدى ولا إلى علم، بل هي مجرد شبه وخيالات ظنوها حججًا مستقيمة فإذا هم يعترفون في آخر أمرهم أنها خرافات عقيمة، فمنهم من أسعفه الله برحمته وهداه في آخر أمره إلى مذهب السلف، ومنهم من بقي مترددًا في ضلاله، ويعمه في غيِّه، وهو معترف بأنه ليس على شيء، لكنه لا يدري أي طريق الهدى. وهذه شهادة من هؤلاء بصحة مذهب السلف، وقد تقرر في قواعد النقد أن الحق ما شهدت به الأعداء، فقد قال كبيرهم الغزالي: (( أكثر الناس شكًا عند الموت أهل الكلام ) )ا. هـ.
... ويقول كبير من أئمتهم:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
... ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعًا كف حائرٍ
... ... على ذقن أو قارعًا سن نادم
... ويقول الرازي وهو من هو في علم الكلام فإنه أسرف على نفسه في الحيرة والشك والاضطراب، له نهمة في ذلك، فهو مغرم بالتشكيك لا التحقيق، فقد قال يخبر عن نهاية أمره:
نهاية إقدام العقول عقال
... ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا