فهرس الكتاب
الصفحة 559 من 614

.. وكل فرقة من هذه الفرق افترقت في اعتقاداتها إلى فرق شتى، وكل فرقة منها تقرر أصولاً تخالف به الفرقة الأخرى، وهم منتمون لفرقة واحدة، فالخوارج صاروا فرقًا شتى، والرافضة صاروا فرقًا شتى، والصوفية صاروا فرقًا شتى، وهذا الاختلاف والتنافر والتناقض دليل على فساد أصول هذه الفرق، ولكن إذا نظرت إلى أهل السنة وجدت أنهم مؤتلفون لا يختلفون ومتحدون مؤتلفون لا يفترقون، أصولهم واحدة، وطريقهم واحدة، وعقيدتهم واحدة، يأخذه الآخر عن الأول، واللاحق عن السابق، غضًا طريًا واضحًا سهلاً بعيدًا عن الإغراب والغموض، لا تشوبه شائبة، ولا تكدر صفو مشربه شبهة أو شهوة، قريب المأخذ، سهل المدرك، قوي الأساس، ثابت لا يتغير، واحد لا يتعدد، صامد لا يهتز على كثرة من حاربه وكاد لأهله، تقرأ الكتب الكثيرة فيه وكأنها لمؤلف واحد، هو المذهب الذي ترتاح له القلوب، وتنشرح له الصدور وتطمئن له النفوس، ليس بين أهله اختلاف في أصوله وقواعده، ولا تنافر في أدلته وثوابته؛ لأنه مبني على أصل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد تأيدت بالدلائل مسائله، وانتشرت بين البرية فضائله، فهو الحق وما سواه فباطل، وهو الصواب المقطوع به، وما سواه فباطل مردود على صاحبه، وهو الثريا وغيره الثرى، وهذا كله دليل صحته، وعلامة على خيريته، فوا عجبًا لمن شك أو شكك في سلامته وصلاحيته، إن هي إلا شِنْشِنَةٌ نعرفها من أخزم، ونخالة فكر مزجت بحثالة قولٍ نسمعها ممن ضل وأجرم، والله ربنا أعلى وأعلم.

... الوجه السادس: من المعلوم أن مذهب السلف يختلف عن مذهب الخلف، ونعني بالسلف النبي ? والصحابة والتابعين وتابعيهم، ونعني بالخلف المتأثرون بالمناهج الكلامية الفلسفية كالجهمية والمعتزلة والخوارج والشيعة والأشاعرة وسائر طوائف أهل الكلام.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام