.. رابعها: في قوله تعالى: ? وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ... ? الآية، ففيها التصريح أيضًا بوقوع الإيمان منهم، وهو دليل على أنهم كانوا مكلفون به.
... خامسها: في قوله تعالى: ? وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ?، ولا يعرف الصالح من غير الصالح إلا بمتابعته الرسل الذين بعثوا إليهم، فمن تابع رسوله الذي بعث إليه فهو الصالح، ومن خالف واستكبر فهو الطالح، وهذا فيه دليل على أن منهم طائفة قد آمنوا برسلهم واتبعوا ما جاءوا به من الحق، وهؤلاء هم الصالحون، وهذا يدل على أنهم مكلفون.
... سادسها: ? وأنا منا المسلمون ومن القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدًا. وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا ?، وهذا فيه دليل أيضًا على أنهم مكلفون وأن المسلمين منهم هم الناجون، وأما الكفار القاسطون المشركون فهم الخاسرون.
... وكل ذلك دليل على أنهم مطالبون بالإسلام والإيمان ومنهيون عن الشرك والطغيان، وبالجملة فسورة الجن من أولها إلى آخرها كلها أدلة على القول بتكليف الجن كما هو قول جماهير أهل الإسلام، والله أعلم.
... ومن ذلك: سورة الرحمن، فإن الله تعالى قد ذكر فيها قوله: ? فبأي آلاء ربكما تكذبان ?، في واحدٍ وثلاثين موضعًا، والخطاب فيها للثقلين الإنس والجن، وهذا يفيد أنهم مكلفون بالإيمان بالله والاعتراف بعظيم نعمته عليهم والقيام بحق هذه النعم من شكرها باللسان والجوارح، وقبل ذلك بالقلب، ومأمورون بالإيمان بجميع الشرائع والقضايا التي أخبرت عنها هذه السورة العظيمة، والله أعلم.
... ومن ذلك: قوله تعالى في سورة سبأ إخبارًا عن سليمان - عليه الصلاة والسلام: ? ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ?، وهذا تهديد للجن بالعذاب الشديد حال زيغهم عن أمره جل وعلا، وهو يدل على تكليفهم وإلا لما استحقوا العذاب على هذه المخالفة.