تعالى فأين حرصكم على الاستدلال بقوله {الله خالق كل شيء} وقد أخرجتم منه أفعال العباد فقلتم: لم يخلقها الله مع أنها شيء باعترافكم، وتدخلون كلام الله تعالى في هذا الدليل لأنه شيء من الأشياء، هذا والله عين التناقض فإنكم بذلك قد أخرجتم من العموم أفعال العباد وهي داخلة فيه بالإجماع، وأدخلتم في العموم كلام الله وهو خارج منه بالإجماع، فأين عقولكم، فحق هؤلاء شفقة بهم وإحساناً إليهم أن يدخلوا في المصحات العقلية لأخذ العلاج اللازم، عافانا الله وإياك من كل بلاء وقال أهل السنة أيضاً: أيها المعتزلة: قال تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ) (الأنعام: من الآية 19) فهذا يثبت أن الله تعالى شيء وصفاته شيء وهو أكبر الأشياء جل وعلا، فهل يدخل في هذا العموم؟ بالطبع سيقولون لا، فقل، إن القرآن كلام الله وكلامه صفته وصفته غير مخلوقه فكيف أدخلتموه في هذا العموم والله أعلم.
ومن أدلتهم: أيضاً قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (الزخرف: من الآية 3 ) ) فقالوا: الجعل هنا هو الخلق فيكون المعنى إنا خلقناه قرآنا عربياً، فقال أهل السنة، وهذا الاستدلال أيضاً ساقط وما فهمتموه من الدليل ليس بشيء وبيان ذلك أن:
(جعل) في اللغة العربية لها معانٍ فتأتي بمعنى (خلق) وتأتي بمعنى (صَيَّر) والقاعدة فيها: أن (جعل) إذا كانت لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد فهي بمعنى (خلق) وإذا كانت تتعدى إلى مفعولين فهي بمعنى (صَيَّر) فمن أمثلة مجيئها بمعنى خلق قوله تعالى (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) (الأنعام: من الآية 1) فهنا بمعنى وخلق الظلمات والنور لأنها لم تتعدى إلا لمفعول واحد، ومنه قوله تعالى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها} أي وخلق منها زوجها لأنها لم تتعدى إلا إلى مفعول واحد فقط.