فهرس الكتاب
الصفحة 187 من 614

.. ولو قال قائل: أنا لن أذاكر ولن أجتهد في حفظ الدرس وفهمه ولو قدر الله لي النجاح فسأنجح ولو لم أبذل سببًا، فقل لي بالله عليك ما رأيك بهذا الكلام فإني أدع الجواب لعقلك وقلبك، وهذا يبين أن الأشياء قد ربطت بأسبابها والتفريق بين الآثار وأسبابها قدح في الشرع وخبل في العقل فنقول: وكذلك أيضًا الهداية ودخول الجنة فإنها قد ربطت بأسبابها، ففي الحديث: (( فاستهدوني أهدكم ) )، وفي الحديث الآخر: (( اعقلها وتوكل ) )، فمن أراد الهداية فعليه بسلوك سبب تحصيلها ومن أراد الجنة فعليه بسلوك سبب تحصيلها من فعل المأمورات وترك المحظورات مع الإخلاص والمتابعة، ويوضح ذلك أكثر أن نقول: اعلم يا من تحتج بالقدر أنك لا تحتج به إلا في ترك أمور الطاعة وفعل الحرام فقط، أما في أمور الدنيا فلا نراك تحتج بالقدر على ترك أسبابها، بل تفني نفسك ووقتك في تحصيل أسبابها، ونقول: لابد من الأخذ بالأسباب، وأما أمور الطاعة والأخذ بأسباب دخول الجنة من تحصيل الهداية والاستقامة فإنك تقول: إذا شاء الله أن يهديني فستحصل الهداية، وإذا أراد الله أن يدخلني الجنة فسيحصل ذلك، وهذا عين التناقض، فبالله عليك كيف تأخذ بتحصيل أسباب الرزق وقد تكفل الله به وتترك تحصيل أسباب الجنة التي ما خلقت أصلاً إلا للعمل لتحصيلها، فهذا والله لا يسوغ عند العقلاء، وهذا دليل من الحس، والله أعلم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام