.. الخامس: أن الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي مع مخالفته للمنقول فهو أيضًا مناقض للمعقول، وبيان ذلك أن الإنسان قبل فعل هذه المعصية هل كان يعلم أن الله قدرها عليه؟ بالطبع لا، فيكون هو الذي أقدم على فعلها اختيارًا منه لا اضطرارًا، ولماذا لا يتركها ويقول: لم يقدرها الله علي، بل لماذا لا يقبل على فعل الطاعة ويقول: الله قدر علي في هذا الوقت أن أفعل هذه الطاعة، فإن هذا قليل فاعله، أما أن يتقحم في المعاصي ويخالف أمر ربه ويتنكب عن الصراط المستقيم ويرتكب المحرمات وموبقات الآثام، ويقول: الله قدرها علي، فهذا خائب خاسر تائه ضائع لا حظ له في الآخرة ولا ينفعه ذلك يوم القيامة؛ لأنه لم يكن يعلم ما قدر له حتى يقول: الله قدرها علي، والله أعلم.
... السادس: أن الاحتجاج بالقدر فيه تعطيل للأسباب التي جاءت الشريعة بإثباتها والأمر بها، فإن الشريعة قد ربطت الآثار بأسبابها فمن أراد هذا الشيء فعليه بتحصيل سببه أما أن يريد آثار الأسباب من غير تحصيل للأسباب فإن هذا قدح في الشرع وعجز وكسل وخور فإن من أراد الولد فلا بد أن يحصل الزواج؛ لأنه طريق الولد، لكن من ترك الزواج وقال: إن كان الله قدر لي الولد فسيأتيني ولو لم أتزوج، فهذا هو الحمق بعينه والجنون بعروقه.
... ولو قال قائل: أنا لن أذهب للعمل وإذا كان الله قد قدر لي حصول الراتب آخر كل شهر فسيأتي الراتب ولو لم أسع لتحصيله، فبالله عليك هل هذا الكلام يمكن أن يصدر من عاقل يعرف ما يقول؟