.. الثاني: اتفاق السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة على عدم اعتبار ذلك حجة مقبولة، فإنهم - رضي الله عنهم - لم يؤثر عن أحد منهم شيء من ذلك، بل كانوا ينكرون على المخالف ويعاقبون من وقع فيما يقتضي العقاب من فعل محظور أو ترك مأمور بلا نظر في أن ذلك مقدرًا عليه، ولاشك أن الإجماع ثابت ثبوتًا قطعيًا في هذه المسألة، فعلى من نصح لنفسه وأرد لها النجاة باتباع هذا الإجماع فإنه من سبيل المؤمنين التي من اتبع غيرها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.
... الثالث: أن الأدلة من الكتاب والسنة قد دلت الدلالة القاطعة الصريحة على أن حجة الله على عباده قد قامت بإرسال الرسل وإنزال الكتب، قال تعالى: ? رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون على الله حجة بعد الرسل ?، فلا حجة للعباد في ترك المأمور أو فعل المحظور، فإن الله تعالى قد بين لنا طريق الخير من الشر فالحجة قد قامت والمحجة قد بانت فلم يبق لأحدٍ بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب حجة لمحتج.
... الرابع: أن الاحتجاج بالقدر لو كان حجة مقبولة لأدى ذلك إلى إبطال الشرائع؛ وذلك لأنه يسوغ لكل أحد ترك امتثال الأمر المشروع وارتكاب الشيء الممنوع أن يقول: الله قدره علي، وكل الأشياء بقدر الله، فلا داعي إذًا إلى الشرائع ولا إرسال الرسل ولا إلى خلق النار ولا إلى حساب وعذاب، إذ كل أحدٍ سيحتج بالقدر، فبان بذلك أنه حجة داحضة باطلة لأنها موصلة إلى هذه النتيجة الباطلة، وما أدى إلى الباطل فهو باطل.