.. الثاني: اعلم أن أهل السنة - رحمهم الله تعالى - يقولون: إن الاحتجاج بالقدر حجة إبليسية التأصيل والتخطيط وآدمية التنفيذ، فأساسها من كيد الشيطان الرجيم، والمنفذ لها تطبيقًا عمليًا هم كثير من بني آدم، والله أعلم.
... ثم نقول: الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية وترك الواجب حجة داحضة باطلة كل البطلان نقلاً، وعقلاً، وحسًا، وفطرة، وبيان ذلك من وجوه عشرة:
... الأول: أن القرآن أبطل هذه الحجة غاية الإبطال ولم يعتبرها شيئًا وسماها جهلاً وتخرصًا وظنًا كاذبًا ونفى أن تكون من العلم في شيء، ووصفها بالزور والبهتان، قال تعالى: ? وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ?، وقال تعالى: ? وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ?، وقال تعالى: ? أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ?، وقال تعالى عن الذين عبدوا الملائكة أنهم قالوا: ? وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ?، وأي إبطال بعد هذا الإبطال وما كان باطلاً فإنه لا يسوغ للعاقل أن يتمسك به.