فهرس الكتاب
الصفحة 105 من 614

.. وأما الدليل العقلي: فلأن هذا العالم علويه وسفليه كائن بعد أن لم يكن وحادث بعد عدم، وقد تقرر في المعقولات أن كل حادث فلابد له من محدث، وكل مفعولٍ فلابد له من فاعل، وحينئذٍ فلا يخلو إما أن يكون هذا العالم قد أحدث نفسه بنفسه، وإما أن يكون قد وجد هكذا صدفة، وإما أن يكون له خالق قدير القدرة التامة، ولا احتمال رابع، فأما الأول فلا يمكن ولا يعقل لأنه من قبل أن يوجد نفسه كان عدمًا وهل المعدوم يوجد نفسه؟ بالطبع لا؛ لأنه لا شيء وما ليس بشيء فكيف يكون خالقًا لهذا العالم، وأما الثاني فلا يمكن أبدًا ولا يعقل أيضًا؛ لأن هذا العالم خلق على نظام بديع ودقيق جدًا للغاية ولم يتبدل هذا النظام ولم يتغير، وما وجد صدفة يمتنع في بدائه العقول أن يستمر على هذا النظام الرفيع والتناسق العجيب، ونضرب لك مثلاً: لو قيل لك إن هناك أخشابًا على شط نهر قطعت نفسها بنفسها ورمت بنفسها في النهر وتراكب بعضها على بعض فصارت سفينة عظيمة تحمل المتاع من هذا الساحل وتنزله في هذا الساحل وتجوب الأمواج كل ذلك بلا ربان يقودها ولا أحد يسيرها، فهل بالله عليك تقبل هذا؟ بالطبع لا، بل لا أظنك تتوقف عن اتهام عقل المخبر بذلك بآفةٍ من جنون أو تخريف، فكيف بذلك العالم الكبير بأفلاكه ونجومه وكواكبه ومجراته العظيمة وسماواته وأرضه وجباله وسحابه ومطره وزرعه وعامريه من الإنس والجن والحيوانات يوجد هكذا صدفة أو يوجد نفسه بنفسه، لا والله ليس الأمر كذلك، فهذان الاحتمالان باطلان كل البطلان، فإذا بطلا فلم يبق عندنا إلا الثالث وهو الحق الذي لا مرية فيه وهو أن الذي خلق هذا العالم هو الخالق القادر على كل شيء الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، جل وعلا وتقدس عن وصف أهل السوء، وقد ذكر القرآن ذلك الدليل العقلي البديع في آية واحدة بأوضح ثم أوضح ثم

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام