.وبناءً عليه: فلا يجوز لأحد أن يعتقد أن هذا الشيء سبب لهذا الشيء إلا بالدليل وإلا لكان واقعًا في هذا المحظور العظيم، ويزداد الأمر سوءًا على سوء إذا كان يعتقد أن السبب هو الفاعل بذاته، وهذا هو الشرك الأكبر المخرج عن الملة بالكلية، وهو اعتقاد مشركة الأسباب الذين ذكرناهم في القاعدة الأولى، وهذا هو معنى قولنا: (( وإن اعتقده الفاعل بذاته فشرك أكبر ) )، وذلك كمن يعتقد أن التمائم هي التي تجلب الخير وتدفع الشر بذاتها، وكمن يعتقد أن الرقية تدفع المرض بذاتها، أو اعتقد أن الأنواء هي التي أنزلت المطر بذاتها، أو اعتقد أن هذا الشيء الذي تبرك بهو هو الذي يفيض البركة عليه بذاته، كل ذلك من الشرك الأكبر الذي يخرج من الإسلام بالكلية، فهذه بعض الأمثلة على هذه القاعدة، وخلاصتها أن يقال:
... أولاً: من اعتقد سببًا قد دل على سببيته الشرع فلا شيء عليه.
... ثانيًا: من اعتقد سببًا قد دل على سببيته القدر فلا شيء عليه.
... ثالثًا: من اعتقد سببًا لم يدل عليه شرع ولا قدر فشرك أصغر.
... رابعًا: من اعتقد في سبب أنه هو الفاعل بذاته فشرك أكبر، والله أعلى وأعلم.
... القاعدة الثالثة: الالتفات إلى الأسباب مطلقًا شرك في الشرع، وعدم الالتفات لها مطلقًا قدح في الشرع، والأخذ بها مع كمال التوكل على الله هو حقيقة الشرع.
... أقول: لقد اشتملت هذه القاعدة على ثلاث فقرات:
... الفقرة الأولى: وهو شأن مشركة الأسباب الذين لا ينظرون إلا إلى السبب؛ وذلك لاعتقادهم أنه هو المؤثر بذاته، وقد علمت أن هذا الاعتقاد شرك في توحيد الربوبية لاعتقاد أن ثمة خالقًا ومتصرفًا في هذه الكون غير الله تعالى، فهذه نظرة متطرفة جائرة قد تعلقت قلوب أصحابها بالمخلوق العاجز الضعيف وانصرفت عن التعلق بالخالق القوي القادر من كل وجه، فخابوا الخيبة المطلقة وخسروا الخسران المبين، نعوذ بالله منهم ومن حالهم.