فهرس الكتاب
الصفحة 603 من 614

.وبيانها أن يقال: اعلم - رحمك الله تعالى - أن الناس قد انقسموا في تأثير الأسباب إلى ثلاث طوائف: طرفين، ووسط.

... فالطرف الأول هم المعطلة، أي معطلة الأسباب، وهم الذين يعتقدون أنه لا تأثير للأسباب أصلاً، وإنما الآثار توجد عند السبب لا به، فالانكسار حصل عند رمي الزجاجة ولا أثر للرمي فيه، والموت حصل عند رمي الرصاصة وإصابتها للجسد ولا أثر لها فيه، وهذا المذهب مذهب باطل كل البطلان، وحق الواحد منهم أن يُصْفَع فإذا أحس بالألم وقال: لم صفعتني؟ فقل: إن الألم حصل عند الصفعة ولا أثر للصفعة فيه.

... فهذه الطائفة تعتقد نفي تأثير الأسباب ولو مطلق التأثير، أي أنه لا أثر للأسباب في مسبباتها البتة.

... وناقضهم الطائفة الأخرى وهم مشركة الأسباب، وهؤلاء يعتقدون أن السبب هو المؤثر بذاته لا بتقدير الله تعالى، فالسبب هو الذي يوجد أثره بنفسه بلا تدخل شيء آخر، وهذا المذهب أيضًا باطل كل البطلان، وهو في ذاته شرك في الربوبية؛ لأنهم يعتقدون أن ثمة متصرفًا وخالقًا في هذا الكون غير الله تعالى.

... فالأولون فرطوا في الأسباب حتى نفي تأثيرها النفي المطلق، والآخرون غلو في إثباتها حتى أثبتوا لها التأثير المطلق، فجاء أهل السنة - رفع الله قدرهم وأعلا نزلهم وأدام عزهم وجعلنا من أتباعهم - فتوسطوا بين هذين المذهبين، فقروا هذه القاعدة العظيمة فقالوا: (( السبب يؤثر لكن لا بذاته وإنما يجعل الله له مؤثرًا ) )، فلم ينفوا تأثير الأسباب كما زعمه المعطلة، ولم يثبتوا التأثير المطلق كما زعمه مشركة الأسباب، بل قالوا: (( السبب يؤثر لا بذاته ) )، فقولهم: (( السبب يؤثر ) )رد على معطلة الأسباب، وقولهم: (( لا بذاته ) )رد على مشركة الأسباب، فالله جل وعلا هو الذي خلق الأسباب وآثارها وهو الذي يربط بينها ويفصل على ما تقتضيه حكمته البالغة، فلا خالق إلا هو جل وعلا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام