.. ومن الأدلة أيضًا: لما نزل قوله تعالى: ? وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ? عمد عدي بن حاتم إلى عقالين فوضعهما عنده، فصار يأكل ويشرب حتى تبينا، فإذا الصبح قد طلع، فذكر ذلك للنبي ? فوضح له المراد الصحيح من الآية ولم يأمره بإعادة ذلك اليوم الذي أكل في نهاره، وذلك لأنه معذور بالتأويل السائغ، فقد ظن - رضي الله عنه وأرضاه - صواب نفسه في هذا العمل، فمخالفته - رضي الله عنه وأرضاه - ليست عن قصدٍ للمخالفة - حاشاه وكلا - وإنما كانت عن فهم للآية على غير وجهها الصحيح، والله أعلم.
... ومن الأدلة أيضًا: ما ثبت في الصحيح من حديث أسامة بن زيد في قتله الرجل المشرك بعدما قال: لا إله إلا الله، فقال له النبي ?: (( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ) )! قال: يا رسول الله إنما قالها خوفًا من السلاح. الحديث
... ووجه الاستشهاد به: أن النبي ? لم يوجب الدية على أسامة ? مع أنه قتل مسلمًا في الظاهر، والمسلم معصوم الدم، وهذا دليل على أنه عذره؛ لأنه كان متأولاً في قتله هذا، فإنه ظن أنه وإن قال: لا إله إلا الله، فإنها لا تعصم دمه؛ لأنه يريد بقولها التعوذ من القتل فقط، ولا يريد حقيقة الإسلام، فجعل النبي ? ذلك التأويل عذرًا له في إسقاط الدية عنه، مما يدل على أن التأويل السائغ عذر في عدم الحكم بالكفر، وأن عدم التأويل شرط من شروط التكفير، ووجوده مانع من موانعه.