.. وبناءً عليه فلا يجوز الرضى بها - أي بمثل هذه الأفكار والوساوس - ولا الاسترسال معها وفتح أبواب العقل والروح أمامها، فإنها هلكة مميتة، وحفر عميقة، من وقع فيها فقل عليه السلام.
... الثالث: أن يقول آمنت بالله ورسله، ويكرر ذلك القول حتى يندحر عدو الله ويخف أثر وسوسته على القلب والعقل، فإن هذه الكلمة تقطع دابره وتبعث اليأس في قلبه، وفي هذا معاملة للخبيث بنقيض قصده، فإنه يقصد بهذه الوساوس هز الاعتقاد في الله تعالى، فإذا قلت: آمنت بالله ورسوله، ازدادت حيرته وعظم كربه وندم على وسوسته؛ لأنك بهذا القول قد جددت إيمانك واعتصمت بربك التجأت إليه وعذت به، ولربما قد كنت غافلاً عن ذلك من قبل، فذكرك إبليس بهذه الوسوسة، فيصدق عليه أنه حفر حفرة فوقع فيها وأراد بك شرًا فقادك إلى خير، ودليل هذا القول حديث أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?: (( لا يزال الناس يقولون ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله ورسله ) )متفق عليه.
... الرابع: أن يعلم العبد أن هذه الوساوس لا تدل على قلة الإيمان وضعف اليقين، بل إنها ترد على الجميع إلا من عصمه الله تعالى، وليعلم أيضًا أن نتائجها إذا عوملت بالعلاج الشرعي إنها طيبة، فقد كانت هذه الوساوس تعرض لبعض الصحابة وهم أكمل الأمة إيمانًا وأعمقها علمًا، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ? قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله ? إلى النبي ? فقالوا: يا رسول الله، إنا لنجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: (( أوقد وجدتموه ) )؟ قالوا: نعم. فقال: (( ذاك صريح الإيمان ) ).
... وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي ? جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء لأن أكوه حممة أحب إلي من أن أتكلم به. فقال النبي ?: (( الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ) )رواه أبو داود.