.. وهذا المدعي لعلم الغيب مكذب بهذا الخبر القرآني ومصادم له وناقض لدلالته، وقد تقرر في القواعد أن من كذب بشيء من أخبار القرآن فإنه كافر بهذا التكذيب، وهذه الآية قد صدرت بقوله تعالى: ? قل ?، والخطاب للنبي ?، فإذا كان الله تعالى يأمر نبيه ? بأن يعلن أمام الملأ جميعًا أنه لا يعلم الغيب في السموات والأرض إلا الله تعالى، فغيره من باب أولى، فقد تقرر في القاعدة القرآنية حصر علم الغيب له جل وعلا لا لغيره، ومن المعلوم في اللغة أن الفائدة من الحصر إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، ومن قال بغيره فهو مكذب لدلالة هذا الخبر.
... وقال تعالى: ? عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا ?، فقوله تعالى: ? فلا يظهر ? هذا نفي، وقوله: ? أحدًا ? نكرة، فهو نكرة في سياق النفي، وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي تعم فيدخل في ذلك النفي كل أحد، الملائكة والأنبياء ومن دونهم من باب أولى إلا أن الله تعالى قد استثنى جل وعلا من ارتضاه من رسول فإنه يعلمه من الغيب بما أرد جل وعلا.
... وقال تعالى: ? أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا ?، وهذا الإنكار دليل على أنه لم يطلع على الغيب ولم يتخذ عهدًا من الله تعالى.
... ووجه الدلالة منه: أنه نفى اطلاعه على الغيب، وقد ثبت في القواعد أن ما ثبت في حق واحدٍ من الأمة فإنه يثبت في حق الأمة إلا بدليل الاختصاص، فالاطلاع على الغيب منتفٍ في حقه وفي حق سائر الأمة إلا بدليل الاختصاص، والله أعلم.