فهرس الكتاب
الصفحة 579 من 614

.. وأما أهل التأويل: فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم، وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي ? من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره وإنما المقصود به معانٍ تخالف ما يظهر منها، وقد كان النبي ? يعلم ذلك، ولكنه لم يظهره للناس وإنما ترك اكتشاف ذلك إلى الناس ليظهروها بعقولهم، والغرض من ذلك امتحان العقول، فيعطلون الله تعالى عن صفاته ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويقحمون في الآيات معانٍ غريبة يزعمون أنها هي الحقيقة المرادة من هذه الآيات، وهؤلاء أخطر على الإسلام من الفرقة الأولى؛ لأن كفر الفرقة الأولى ظاهر واضح، وقولهم ممجوج لا يقبله المسلم ولذلك فهم يتكتمون عليه ولا يظهرونه إلا لخواصهم، وأما أهل التأويل فإنهم يتظاهرون بنصر السنة والذب عن حياضها ويلبسون ثوب المشفق الناصح للأمة والعامة، فالاغترار بهم أكثر من الاغترار بغيرهم، فهذا مذهب أهل التأويل في باب الصفات وهو تعطيلها وتحريفها، وادعاء أنها مجازات لا يراد به ما يظهر منها.

... وأما مذهبهم في نصوص المعاد فهو الإيمان بها إجمالاً وإن كانوا يعارضون في بعض تفاصيلها، وأنبهك على أمر مهم وهو أن بعض أهل السنة يقول: إن أهل التأويل لا يحرفون نصوص المعاد. وأقول: هذا القول فيه نظر، فإن بعض طوائفهم تزعم أن الصراط كناية عن العدل لا أنه صراط حقيقي، وهذا تحريف، ويزعمون أن الميزان ليس له حقيقة ترى وإنما هو كناية عن إقامة الحق والحكم بالقسط فقط وهذا تحريف، ويزعمون أن الجنة والنار لم توجدا بعد كما وأنهما تفنيان وتبيدان، أو تفنى حركات أهلها كما يقوله بعض المعتزلة وهذا تحريف، وهكذا في كثير من قضايا اليوم الآخر.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام