فهرس الكتاب
الصفحة 569 من 614

.. وبالجملة: فأهل السنة - رحمهم الله تعالى - يعلمون معاني الصفات ونصوص اليوم الآخر، لكنهم يكلون علم كيفياتها إلى الله تعالى، أي: أن آيات الصفات واليوم الآخر محكمة من قبل معانيها، متشابهة في كيفياتها، أي: أنه قد اتضح المراد منها في معانيها، وخفي علينا المراد من كيفياتها، وهذا الخفاء في كيفياتها أمر عام لكل أحدٍ من المكلفين وهو التشابه الحقيقي؛ لأنه لم ير، ولم ير نظيره، ولم يخبرنا الصادق عن حقيقة كيفيته، وليس ذلك لعيب في الأدلة أو أنها في ذاتها متشابهة - حاشا وكلا -، وإنما القصور في عقولنا، فإن كيفيات هذه الأشياء لا تحتملها عقولنا، وليست داخلة في حدود مدركاتها وما خلقت له، ولم يكلفنا الله تعالى في هذين الصنفين من الأدلة إلا بالإيمان بها وبما اتضح لنا من معانيها، وبالعمل بمقتضياتها والاستعداد لها، وأما الغوص في معرفة تفاصيل كيفية هذه الأشياء فلم نكلف به، بل كلفنا باجتنابه والتباعد عنه؛ لأنه دخول فيما لا دليل عليه وإقحام للعقل فيما ليس له فيه مجال.

... والخلاصة: أن آيات الصفات واليوم الآخر إنما تعلم من جهة معانيها لا من جهة كيفياتها، وأهل السنة في هذا المذهب النبيل الكامل والمسلك السليم الفاضل وسط بين ضلالتين وهدىً بين غوايتين: بين المفوضة الذين يزعمون أنهم لا يعلمون المعاني ولا الكيفيات، وبين أهل التمثيل الذين يزعمون أنهم يعلمون المعاني والكيفيات. فقال أهل السنة: بل المعنى معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

... فلا خفاء في المعاني ولا غموض فيها ولا لبس، وإنما الخفاء في الكيفية فقط، فانتبه لهذا - بارك الله فيك - فإنه مهم غاية الأهمية، ونعوذ بالله من زلل البنان واللسان، وخطأ الفهم وتحكم الهوى، والله أعلم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام