.. ولا اختلاف بين هذه الآيات ولا تناقض بينها، فإن الإحكام العام معناه الإتقان، فالقرآن كله متقن الإتقان المطلق في ألفاظه ومعانيه وترابط آياته وعمق بلاغته وكبير إعجازه ووضوحه؛ وذلك لأنه كلام الله تعالى منزل غير مخلوق.
... والتشابه العام هو بعينه الإحكام العام، أي أن بعضه يشبه بعضًا في أوامره وزواجره وأخباره وأمثاله، فهو يصدق بعضه بعضًا، ويؤيد بعضه بعضًا، ويوافق بعضه بعضًا، فهو متشابه في الكمال والإحسان والبلاغة والإعجاز والإتقان والائتلاف، فالإحكام العام هو التشابه العام، فلا اختلاف بين وصفه بالإحكام العام والتشابه العام، والله أعلى وأعلم.
... وأما الإحكام الخاص والتشابه الخاص فلا تعارض بينها أيضًا، وبيان ذلك أن يقال: المراد بالإحكام الخاص أي وضوح المراد وبيانه وظهور المقصود منه، والتشابه الخاص هو ما خفي معناه ولم يتضح المراد به، فبعض القرآن محكم ظاهر المعنى، وبعضه متشابه خفي المعنى، ويتضح الكلام على مسألة الإحكام الخاص والتشابه الخاص في هذه المسائل:
... المسألة الأولى: اعلم أن مسلك أهل العلم الراسخين الموفقين إذا ورد عليهم الأمر المتشابه الخفي في القرآن أن يقولوا: ? آمنا به كل من عند ربنا ?، كما وصفهم الله تعالى بذلك في قوله تعالى: ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ?، فهذا مسلك الراسخين في العلم.