.. ج 357: المراد بقاعدة الوسطية قول العلماء: (( أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة كوسطية الأمة بين الأمم ) ).
... وبيان ذلك أن يقال: إن هناك وسطيتين: وسطية عامة، ووسطية خاصة.
... فالوسطية العامة: يراد بها وسطية الأمة الإسلامية بين سائر النحل كاليهودية والنصرانية، فأنت إذا نظرت إلى دين اليهود الذي هم عليه وجدته دينًا يقوم على الغلو والإفراط والتشديد، وإذا نظرت إلى دين النصارى الذي هم عليه وجدته دينًا يميل إلى التفريط والتساهل المخزي الفاضح في غالب أموره، فمثلاً: يعتقد اليهود أن عيسى كذاب وابن بغي - نعوذ بالله من ذلك -، بينما يعتقد النصارى أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة - تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا -، وكلا الملتين على طرفي نقيض بين الإفراط والتفريط. فتوسط المسلمون في ذلك وقالوا: (( هو عبدالله ورسوله ) )، فقولهم: (( عبدالله ) )رد على النصارى الذين غلوا فيه، وقولهم: (( ورسوله ) )رد على اليهود الذين كذبوه وأهانوه، فاعتقاد المسلمين في عيسى - عليه السلام - وسط بين هاتين الأمتين الضالتين المغضوب عليهما.
... ومثال آخر: يعتقد اليهود في الحائض أنها نجسة العين وبنوا على ذلك أنها لا يجوز مؤاكلتها ولا مجالستها ولا الحديث معه ولا مسها؛ لأنه عندهم نجسة قذرة، وهذا هو الغلو بعينه، بينما يعتقد النصارى جواز فعل كل شيء معها حتى النكاح، وهذا تفريط وتساهل، فجاءت الشريعة الإسلامية فقالت: (( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) )، فقوله: (( اصنعوا كل شيء ) )رد على اليهود الذين قالوا: لا تصنعوا معها شيئًا، وقوله: (( إلا النكاح ) )رد على النصارى الذين يجيزون ذلك، فالأمة الإسلامية بهذا التشريع توسطت بين الأمتين الضالتين المغضوب عليهما، وهكذا في سائر الاعتقادات والشرائع، وهذا هو الذي نعنيه بالوسطية العامة، أي وسطية الأمة بين الأمم الكافرة.