فهرس الكتاب
الصفحة 541 من 614

.. أحدهما: بيان حكمه من جهة الأصل وهو أن الأصل فيه الجواز بشرط أن لا يترتب عليه محرم أو مكروه، وانتبه لهذا الشرط؛ لأنه إن ترتب عليه محرم فيلحق بالقسم الأول، وإن ترتب عليه مكروه فإنه يمنع سدًا للذريعة - أي لذريعة الوقوع في الحرام - فإن المكروهات بريد المحرمات، فمن سوغ لنفسه كثرة الوقوع في المكروهات ولم يتحرز منها فإنه يوشك أن يقع في الحرام، فسدًا للباب وحسمًا لمادة الفساد يمنع الاستخدام المباح، وإلا فالأصل فيه الجواز، لكن بهذا الشرط؛ لأن الأصل في الأشياء الحل والإباحة، ولم تمنع الأدلة إلا الاستخدام الشيطاني كما مضى في سياق أدلة تحريمه، فيخرج ما دل الدليل على تحريمه، ويبقى ما عداه على أصل الجواز والحل، وهذا هو الذي يفيده كلام أبي العباس - رحمه الله تعالى - في الفتاوى، فإنه ذكر أن استخدام الإنسي للجني في الأمور المباحة كاستخدام الإنسي بعضهم لبعض، بل وأزيده إيضاحًا وأقول: لو أن بعض الجن أمرك بشيءٍ من الأشياء المباحة ولم يترتب على استجابتك له شيء من المحرم ولا المكروه، فإن استجابتك له مباحة، فكذلك لو كنت أنت الطالب، لكن بالشرط المذكور، وهذا من قياس العكس، وهو حجة على القول الصحيح.

... وأما قوله تعالى: ? وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ?، فإن هذا الاستعمال ترتب عليه الوقوع في المحرم، وهو الاستعاذة بغير الله في الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله، وقد اشترطنا في إباحة النوع الرابع أن لا يترتب عليه محرم، وتممنا ذلك بألاَّ يترتب عليه مكروه أيضًا.

... وبالجملة: فلا مانع يمنع ذلك، لكن أعيد وأكرر وأنبه على الشرط المذكور وهو أن لا يترتب على هذا الاستخدام محرم أو مكروه، فهذا بالنسبة لحكم أصله.

... ثانيهما: لو جاءنا أحد يسألنا عن مدى إمكانية فعل ذلك لأجبناه بالمنع، وذلك لأمور:

... منها: سدًا للذريعة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام