فيها.
... فالولاء مداره على المحبة والمحبة عمل القلب، ولها آثار كثيرة فلابد للعبد من الصدق في عمل الباطن حتى يتصحح له عمل الظاهر، فأسال الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يصلح بواطننا وظواهرنا إنه خير مسئول، فهذا بالنسبة لما يدور عليه الولاء وهو المحبة.
... وأما البغض الذي هو مدار البراء، فكذلك نقول فيه أن محله ومقره القلب، إلا أنه لابد أن يكون له أثر ظاهر على سلوك العبد وتصرفاته، ويظهر هذا البغض في معاملاته مع أعداء الله ظهورًا واضحًا جليًّا؛ لأن هذه المعاملات هي التي يظهر فيها حقيقة الموالاة والمعاداة، فاحذر من مخالفة القول للعمل، واحذر من تناقض الظاهر مع الباطن، فلابد من المفاصلة والمصارمة والتباعد باطنًا وظاهرًا، وعلى هذا مدار الشريعة، فإن الشريعة إنما نزلت لتفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فالذي يريد تمييع هذه الفروق وإزالتها أو يهوِّن في تطبيقها فهو منافق زنديق مصادم للمقصود الشرعي الأعظم، وبناءً عليه فمن يدعي البراء من الكفرة وهو قد ارتمى في أحضانهم يربونه كيف شاءوا فهو كاذب في دعواه هذه، ومن يدعي البراء منهم وهو معظم لحضارتهم ومقدم لهديهم على هدي الكتاب والسنة فهو كاذب في دعواه، ومن يدعي البراء منهم وهو يحكم قوانينهم فهو كاذب في دعواه، ومن يدعي البراء منهم متشبه لهم في ملبسهم وطريقة أكلهم وعاداتهم وتقاليدهم المخالفة للشريعة فهو كاذب في دعواه، ومن يدعي البراء منهم وهو يريد من أمة الإسلام أن تتمثل بهم في أمورهم الخاصة والعامة فهو كاذب في دعواه، وغير ذلك.
... ونفهم من هذا أن البراء ليس كلمة تقال ولا هو عاطفة باطنية فقط، بل لابد أن يصدق الظاهرُ الباطنَ، فمن ظهرت على جوارحه آثار البراء فهو صادق في دعواه، ومن خالف فعلهُ قولَه فالله له بالمرصاد، فإن السر عنده علانية ولا يخفى عليه خافية في الأرض ولا السماء في العالية.