الأول: أن (لن) لا تفيد النفي المؤبد حتى وإن قرنت بلفظ الأبد، بدليل قوله تعالى عن اليهود (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (الجمعة 7:6) ومع ذلك فإنهم يتمنونه في الآخرة إذا دخلوا النار كما في قوله تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) (الزخرف:77) وخلاصة هذا الوجه هو أن نفي الرؤية في ذلك الوقت لا يلزم منه انتفائه مطلقاً وإنما هذا شيء قاله بعض صناديد المعتزلة ولذلك قال ابن مالك:
(ومن يرى النفي بـ(لن) مؤبدا
فقوله أردد وسواه فاعضدا)
الثاني: أن الله تعالى قال (لَنْ تَرَانِي) ولم يقل: إني لا أرى أولست بمرئي، أو لا تجوز رؤيتي، والفرق بين الجوابين ظاهر، بل قال (لَنْ تَرَانِي) ففي ذلك دليل على أنه يرى ولكن موسى عليه السلام لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر عن رؤيته.
الثالث: أن الله تعالى بين السبب في عدم رؤيته وهو عدم تحمل النفس ذلك بدليل أنه تعالى لما تجلى للجبل حصل للجبل ما حصل من الإندكاك فأعلمه الله تعالى بذلك أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف؟ فهذا دليل على أن المانع ضعف القوى البشرية عن رؤيته ولذلك فإن هذه القوى تضاعف في الجنة حتى يتمكن أهلها من رؤيته كما ثبتت بذلك الأدلة.
الرابع: أنه لو كانت رؤيته تعالى محال لما كان كليم الله تعالى يتكلف السؤال عنها لأنه أعلم الناس بربه في زمانه فلا يتصور منه أن يسأل ما لا نجوز على الله تعالى فلما سألها موسى علم بذلك أنها مما يمكن ولكن ثمة مانع وهو الضعف البشري، فلا يمكن أن يكون هؤلاء المتهوكون الحمقى أشد تنزيهاً وأعلم بالله من كليمه ورسوله الكريم.