الثالث: التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه المرجوح، أو من حقيقته إلى مجازه وهذا النوع من التأويل لا يعرف عن السلف وإنما أحدثه المتأخرون الخلف من المتكلمين في الأصول والفقه وقد تلقفوه من أهل الكلام المذموم الذي أدخل على أهل الإسلام البلاء الكثير والشر المستطير وقد توقف أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى في قبوله ورده لأنه من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً، وشأنهم فيما كان من هذا القبيل التوقف والإستفصال، فقالوا: إن كان هذا الصرف بمقتضى الدليل الصحيح الصريح فإنه صرف مقبول، فما اقتضاه الدليل فأهلاً وسهلاً، وأما إذا كان صرفاً لا دليل عليه وإنما مبناه على والتخرص والظنون الكاذبة والشهوات والهوى فإنه مردود على صاحبه مضروب به في وجهه ولا كرامة له، وهو في هذه الحالة وإن سماه أصحابه تأويلاً ليروج وتقبله النفوس إلا أنه في حقيقته تحريف و خلط و باطل ودليل بطلانه أنه مخالف لمنهج السلف الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم فإنهم رحمهم الله تعالى وأعلا درجتهم في الجنة كانوا يقولون عند الظاهر المتبادر من النصوص ولا يتعدونه إلا بمقتضى دليل، ولأن المتقرر عند أهل العلم أن الأصل هو البقاء على الظاهر الراجح ولا ننتقل إلى المرجوح إلا بدليل، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة فلا يعدل عنها إلى الجاز إلا بقرينه صادقة، ولأن هذا الصرف الذي لا دليل عليه تحكم في كلام المتكلم بلا إذن منه وهذا لا يجوز في آحاد كلام البشر فكيف بكلام الله جل وعلا وكلام رسله صلوات الله وسلامه عليهم، ولأن أدلة الشريعة إنما جاءت لإرادة البيان والهدى لا للألغاز والتعمية فكيف يخاطبنا الشارع بكلام له ظاهر وهو في حقيقة الأمر لا يريد منا أن نعتقد ظاهره من غير بيانٍ منه لذلك، فإن هذا القول يتضمن إخراج هذه النصوص عن مقصود إنزالها الذي هو الهداية، ولله در الإمام العلامة ابن القيم لما جعله أي التأويل بهذا