فهرس الكتاب
الصفحة 200 من 614

.. المثال الأول: خلق إبليس والحكمة من ذلك، فإن إبليس مادة كل فسادٍ في هذه الدنيا في الأديان والاعتقادات والأعمال والشهوات والشبهات، وهو سبب لشقاوة العبد، فخلقه ليس مرادًا لذاته، بل مراد لغيره وقد تلمس العلماء الحكم والمصالح من خلقه فذكروا منها ما يلي:

... فمنها: أن يظهر للعباد قدرة الرب تبارك وتعالى على خلق المتضادات والمتقابلات، فالذي خلق هذه الذات الفاسدة من كل وجه والتي هي أخبث الذوات والتي هي سبب كل شر، هو الذي خلق ذات جبريل التي من أشرف الذوات وأزكاها والتي هي مادة كل خير، فتبارك من خلق هذا وهذا، وذلك كما ظهرت حكمته في خلق الليل والنهار، والحر والبرد، والماء والنار، والداء والدواء، والموت والحياة، والجنة والنار، وهذا دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه، فإنه خلق هذه المتضادات وقابل بعضها ببعض وسلط بعضها على بعضٍ وجعلها محل تصرفه وتدبيره وحكمته، فخلو الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير مملكته، وهذا يظهر ظهورًا جليًا لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

... ومنها: أن يكمل الله تعالى لأوليائه مراتب العبودية، وذلك بمجاهدة إبليس وحزبه وإغاظته بالطاعة لله جل وعلا والاستعاذة بالله منه واللجوء إلى الله أن يعيذهم من شره وكيده فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والدينية والأخروية ما لا يحصل بدونه، ثم إن المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضا ونحوها أحب أنواع العبودية لله جل وعلا، وهذه إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس وتقديم محبته جل وعلا على كل ما سواه، فكان خلق إبليس سببًا لوجود هذه الأمور.

... ومنها: حصول الابتلاء، ذلك أن إبليس خلق ليكون محكًا يمتحن به الخلق ليميز الله الخبيث من الطيب.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام