فهرس الكتاب
الصفحة 142 من 614

.. الأول: أن عذاب القبر ونعيمه من الأمور الغيبية التي يجب فيها التسليم فقط، ولا تعرض على العقول العفنة والأفهام النتنة؛ لأنها ستنكرها إذ هي خارجة عن مدركات هذه العقول، وقد قال تعالى: ? ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ... ? الآية.

... الثاني: أن طرق الإثبات كثيرة وليست مقصورة على الحس والمشاهدة فقط، فهب أن دليل الحس انعدم، فهل انعدامه دليل على العدم؟ بالطبع لا، فقد ثبت ذلك من طريق آخر وهو الخبر الصادق الذي لا يتطرق إليه الشك بوجه من الوجوه، وهو خبر الله ورسوله ?، فإن الأدلة في إثبات نعيم القبر وعذابه قد بلغت مبلغ التواتر وطريق النقل طريق ثابت بنفسه سواءً أيده دليل الحس والمشاهدة أو لا، فيجب إثبات ما أثبته النص، ومن جعل طريق إثبات الاعتقادات الحس والمشاهدة فقط فإنه سينكر معتقدات كثيرة أولها وجود الله تعالى، وكثير من أمور الغيب، وهذا نهايته التعطيل والإلحاد والزندقة والكفر البواح وجهنم وبئس القرار.

... الثالث: أن عذاب القبر ونعيمه ليس من جنس عذاب الدنيا ونعيمها وإن كان الله تعالى يحمي على الكافر التراب والحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون أعظم حرًا من جمر الدنيا ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بها، بل وأعجب من هذا أن الرجلين يدفنان أحدهما إلى جنب صاحبه وهذا في حفرة من النار وهذا في روضة من رياض الجنة لا يصل من هذا إلى جاره شيء من حر ناره ولا من هذا إلى جاره شيء من نعيمه، وقدرة الله تعالى أعظم وأوسع من ذلك وأعجب، فالأمر مختلف عن المعهود في الدنيا فلا ينظر إليه بعين ضيقة، لكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علمًا.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام