.. ومن الأدلة أيضًا: حادثة سجود معاذ بين يدي النبي ? متأولاً في ذلك - إن صح الحديث -، فإن معاذًا ? لم يرد التعبد له بهذا السجود، وإنما أراد به التحية والتقدير؛ لأنه رأى بعض أساقفة الشام يسجد بعضهم لبعض تحية وإكرامًا، فأراد أن يفعل ذلك مع النبي ?، ومع ذلك فلم يحكم عليه النبي ? بشيء وإنما أخبره بأن ذلك لا يجوز وأنه لا يسجد إلا لله تعالى، مما يدل على العذر بالتأويل، لكن إذا صح الحديث وإن لم يصح ففيما مضى كفاية وهداية - إن شاء الله تعالى -.
... ومن الأدلة أيضًا: ما رواه محمد بن نصر المروزي بسنده عن طارق بن شهاب قال: (( كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان فقيل له: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا. فقيل: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: قوم بغوا علينا فقاتلناهم ) )؛ وذلك لأنهم متأولون، فعذرهم علي ? من أجل ذلك، وعلى ذلك جرى عامة أصحاب النبي ? الذين أدركهم الخوارج، بل قال الإمام الزهري - رحمه الله تعالى: (( وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ? متوافرون فأجمعوا أن كل دمٍ أو مالٍ أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر، أنزلوهم منزلة الجاهلية ) ).
... فهذه الأدلة تفيدك إفادة صريحة أن التأويل عذر من الأعذار المانعة من إطلاق الكفر على صاحبه، فإذا تبين لك هذا فلابد من التنبيه على أمرين:
... أحدهما: أن يكون هذا التأويل مما يسوغ في لغة العرب، وبناءً عليه: فمن جاءنا بتأويل لا مساغ له في لسان العرب فإنه لا يعذر به، وذلك كمن قال: إن المراد بقوله تعالى: ? بل يداه مبسوطتان ? السماء والأرض، فهذا في حقيقته تكذيب للنص واستهزاء به.