.. فإن قلت: فإنه قد ثبت في الحديث أنه يضع الجزية، والجزية من الشريعة، فكيف يضعها؟ فأقول: ليس هذا نسخًا ولا شرعًا جديدًا جاء به عيسى - عليه السلام -، وإنما هو بهذا الوضع يحكم بالشريعة؛ وذلك لأن وضع الجزية مقيد بزمن عيسى - عليه السلام - بدليل أن النبي ? أخبر بذلك إخبار راضٍ به مقررًا له، وقد أخبرنا أن شريعته في الجزية هي أنها توضع عند نزول عيسى ابن مريم، ولم ينكر ذلك ولم يأمر المسلمين في زمن نزوله برفض ذلك، ومن المعلوم أن إقراره ? حجة على الجواز كما تقرر ذلك في الأصول.
... وخلاصة الأمر: أن عيسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - عند نزوله لا يحكم إلا بالإسلام، والله أعلم.
... وأما قولك في السؤال: وهل هو صحابي؟ فأقول: لقد عرف العلماء الصحابي بأنه: من ثبت لقاؤه للنبي ? في حياته مؤمنًا به ومات على الإيمان.
... وهذه القيود كلها متوفرة في عيسى - عليه السلام -، فإنه قد لقي النبي ? وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، كما ثبت ذلك في الأحاديث في الصحيحين، وسيأتي الكلام عن ذلك مفصلاً - إن شاء الله تعالى -، وهو حال لقائه به مؤمنًا به ولاشك في ذلك وسيموت على الإيمان ولاشك، فصدق عليه تعريف الصحابي، فهو إذًا من جملة الصحابة، ولا يرد على ذلك أنه ? قد لقي آدم، وموسى، وإبراهيم، وإدريس، وزكريا، ويحيى، ويوسف؛ لأن هؤلاء قد ماتوا الميتة التي كتبت عليهم، وأما عيسى فإنه لقيه وهو حي الحياة الدنيوية؛ لأن الله تعالى رفعه حيًا إلى السماء.
... ولذلك فإن الإمام الذهبي - رفع الله نزله في الفردوس الأعلى - قال في كتابه تجريد أسماء الصحابة: (( عيسى ابن مريم - عليه الصلاة والسلام -، صحابي ونبي، فإنه رأى النبي ? ليلة الإسراء وسلم عليه، فهو آخر الصحابة موتًا ) )ا. هـ كلامه.
... وجملة القول: أنه - عليه السلام - من الصحابة، وهو آخرهم موتًا، والله أعلى وأعلم.