فهرس الكتاب
الصفحة 362 من 614

ج/أقول: تتفق البدعة والمعصية بأن كلا منهما مخالفة للمتقرر شرعا، ولكن تزيد البدعة بأن فاعلها ينوي التقرب إلى الله تعالى بهذا الفعل أو القول، فهو في قرارة نفسه لا يرى أنه قد خالف الشرع في شيء وإنما يرى أنه متقرب إلى الله تعالى بذلك، وإما المعصية فإن العاصي يعلم حال مقارفته لهذه الفعلة إنه عاص بذلك، ولا يقوم في قلبه التعبد لله تعالى بهذا الفعل، فالزاني يزني وهو يعلم أنه يعصي ربه بذلك، ولكن غلبة الشهوة وقوة داعي الشيطان وضعف الإيمان حمله على ذلك، والسارق يسرق وهو يعلم أنه عاص بذلك، وشارب الخمر والذي يأكل الربا وقاتل النفس بلا حق والعاق لوالديه وحالق اللحية ومسبل الثوب ونحوهم كلهم يفعلون ذلك وهم يقرون في أنفسهم أن هذا معصية، ولا يرجون بها تقربا أو ثوابا، أما من يطوف حول القبر أو يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو يدعو الأموات أو ينذر لهم، أو يقول الذكر الجماعي أدبار الصلوات ونحو هذا فإنه يفعل ذلك وهو المبالغة في التعبد والتقرب إلى الله تعالى، فالبدعة ينوي صاحبها القربة والمعصية لا ينوي صاحبها ذلك، ولذلك فإن المتقرر عند السلف رحمهم الله تعالى أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن صاحب البدعة لا يرى أنه مخطئ بل يرى أنه على صواب ولذلك فالتوبة منها تحتاج إلى إقناعه أولا بخطأِ فعله هذا وأنه بدعة والكثير من المبتدعة لا تقبل نفسه النزع عن هذه البدعة لاعتياده عليها، ورسوخها في قلبه، وأنها من موروثات آبائه وبني قومه، وأما صاحب المعصية فلأنه يعلم قبح فغلته وأنها حرام وموجبة لعذاب الله تعالى وسخطه فإنه بالتذكير والوعظ يزدجر عنها ويتوب منها غالبا، ولذلك فالتوبة في العصاة أكثر من التوبة في المبتدعة، ولا أعني بذلك أن صاحب البدعة لا يتوب، كلا، فإني لا أقصد ذلك أبدا، بل باب التوبة مفتوح يلجه كل مذنب، ولكن أعني أن توبته منها طريقها أن يعلم بقبحها، وهذا يحتاج إلى كشف

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام