الثاني: أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله وترك ما نهاه عنه كله فإذا قال الرجل أنا مؤمن بهذا الاعتبار فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين والقائمين بجميع ما أمروا به وترك ما نهوا عنه فيكون من أولياء الله المقربين وهذا من تزكية النفس وقد نهى الله عنه في قوله تعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (لنجم: من الآية 32) وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء:49) وقال عليه الصلاة والسلام (الله أعلم بأهل البر منكم) ومن الناس من يمنعه مطلقاً وهم الذين يجعلون الإيمان جزءً لا يزيد ولا ينقص وهم المرجئة، ومأخذهم في ذلك قولهم نحن نعلم قطعاً أننا مؤمنون كعلمنا قطعاً أننا مسلمون، وتعليق الإيمان بالمشيئة شك في الإيمان والشك في الإيمان كفر، ولذلك فهم يسمون من يجيز تعليق الإيمان بالمشيئة بالشكاكين، أما مذهب أهل السنة فإنهم يفصلون في ذلك تفصيلاً يجمع الأدلة كلها فهم أسعد بالحق والصواب المؤيد بالدليل من الفريقين السابقين وهم الوسط في هذه المسألة كما أنهم الوسط في سائر أمور الاعتقاد وخلاصة مذهبهم أنهم قالوا: إن كان القصد من الاستثناء الشك في وجود أصل الإيمان فهذا حرام لأنه مفض إلى الوقوع في الحرام، وما أفضى إلى الحرام فهو حرام. وهذا لا خلاف فيه، وإن كان يقصد به الشك في كماله فهو مندوب حسن جداً لأن كمال الإيمان من الأمور التي لا تدرك بالحس وإنما مبناها على الدليل ولأنه أبعد عن الرياء والسمعة، ويلحق بذلك من أستثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة فهو حسن أيضاً وما عدا ذلك فجائز، ونقول بتفصيل أوضح: يكون الاستثناء حراماً إذا كان للشك في أصل الإيمان ويكون واجباً إذا خيف على نفسه الرياء إذا تركه، ويكون مستحباً إذا كان للشك في كماله أو أزاد عدم علمه بالعاقبة، ويكون مباحاً فيما عدا