.. الأول: قطع العضو المتآكل الذي يكون في بقائه تلف بقية الأعضاء، فإن الإنسان يذهب بنفسه إلى الطبيب ويمد هذا العضو إليه وهو يعرف أن الطبيب سيقطع هذا العضو من جسده، وهو يريد ذلك القطع لكن بالله عليك هل هذا المريض يريد هذا القطع لذات القطع أي لأنه يحب ذلك لنفسه؟ بالطبع لا، ولكنه أراده لعلمه بآثاره الطيبة ومصالحه المترتبة عليه، فهو أراد القطع لا لذات القطع وإنما أراده لغيره أي أراده لما يترتب عليه من سلامة بقية الأعضاء، فاجتمع في هذا القطع البغض والحب، فبالنظر إلى ذاته مبغوض مكروه، وبالنظر إلى آثاره محبوب مراد، فهو - أي القطع - مراد لغيره لا مراد لذاته، ومن ذلك أيضًا تناول الدواء الكريه.
... الثاني: قطع المسافات والصحارى والقفار وتحمل الأخطار ومفارقة الأهل والبلد، للوصول إلى محبوبه الذي ملك عليه قلبه واستحكم حبه في نفسه، فإن أحدًا لا يريد تعذيب نفسه بذلك لكنه علم أنه لا سبيل للوصال إلا بهذا الشقاء، فأراد الدخول فيه لا لأنه يريده لذاته وإنما لأنه يعلم بآثاره المترتبة عليه، فقطع المسافات وتحمل المشاق ليس مرادًا لذاته، وإنما المراد لغيره، فهو محبوب من وجه ومبغوض من وجه.