فهرس الكتاب
الصفحة 718 من 2479

[285] الشر القليل ترك للخير الكثير. وحينئذ لا يبقى بين موضوع هذه القضية وبين محمولها فرق البتة. ومثل هذه القضية عيب فاسد، فإن عني بالشر الكثير: الألم الكثير والضرر الكثير. فهذا باطل، لأنه إذا ترك الخير الكثير لأجل ذلك الشر القليل فإنه يبقى الشيء على العدم الأصلي. وعلى هذا التقدير فكما لا تحصل اللذة والبهجة، فكذلك لا يحصل الألم والضرر.

فهذا تمام البحث في هذا الطريق.

وأما طريق المعتزلة [1] : قالوا: ثبت بالدليل: أن الحسن (إنما يحسن) [2] لوجوه عائدة إليه، وأن القبح يقبح لوجوه عائدة إليه. وثبت أيضا بالدليل أنه تعالى غني عن كل الحاجات، وثبت أيضا بالدليل أنه تعالى عالم بكل المعلومات، وإذا ثبتت هذه الأصول الثلاثة فإنه يتولد من مجموعها مقدمة واحدة، وهي أنه تعالى عالم بقبح القبيح وعالم بكونه غنيا عنه. ثم نقول: وكل من كان كذلك فإنه لا يفعل القبيح ينتج أنه تعالى لا يفعل [3] القبيح. أما الأصول الثلاثة فقد تقدم الكلام فيها. وأما المقدمة الثانية فقد احتجوا على صحتها من وجهين:

الأول: إن الإنسان إذا قيل له: إن صدقت أعطيناك دينارا، وإن كذبت أعطيناك دينارا، واستوى الصدق والكذب بالنسبة إليه في جميع المصالح العاجلة والآجلة، إلا في كونه صدقا وكذبا. فإنه لا بد وأن يترك الكذب ويفعل الصدق.

إذا ثبت هذا فنقول: الوجه المقتضي للصرف عن الكذب مجرد علمه بكونه كذبا، لأن عند العلم بكونه كذبا يحصل هذا الصرف، وعند عدم هذا العلم لا يحصل هذا الصرف، فثبت أن الموجب لهذا الصرف هو العلم بكونه

(1) الفصل التاسع عشر في تقرير حكمة الله تعالى على قول المعتزلة [الأصل] .

(2) من (س) .

(3) لا يفعل (م) لا يعلم (س) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام