الناس فريقان: منهم من يقول: إنه يتحرك حركة مستديرة على سبيل الطبيعية. ومنهم من يقول: إنه يتحرك حركة مستديرة بالقصد والإرادة.
أما الذاهبون إلى القول الأول. فقد ذكروا فيه وجوها كثيرة. فالقول الأول قول من يقول: ثبت بالدليل وجود خلاء خارج العالم، لا نهاية له.
والجسم الثقيل الذي لا علاقة فوقه، ولا دعامة تحته ينزل. والجسم النازل بهذه الصفة، لا بد وأن يستدير على نفسه حال نزوله. فسبب كون الفلك متحركا بالاستدارة، هذا المعنى.
واعلم: أن بناء هذا المذهب على مقدمات: إحداها: إثبات الخلاء. وأنه لا نهاية له خارج العالم. وقد عرفت الكلام فيه.
والثانية: إن أجرام الأفلاك ثقيلة.
وقد دللنا فيما تقدم على فساد هذا الرأي.
والثالثة: إنا قد بينا: أن الخلاء المتشابه الذي لا نهاية له، لا يتميز فيه جانب عن جانب بشيء من الخواص، فلم يكن كون بعضها فوقا، وبعضها تحتا، أولى من العكس. وإذا تساوت الجهات في جميع الصفات، امتنع أن يقال: إن الفلك ينزل من جانب إلى جانب آخر نزولا أبديا.