[247] اعلم: أن حال هذه المسألة: حال عجيبة. وذلك لأن الخلق أبدا كانوا مختلفين فيها، بسبب أن الوجوه التي يمكن الرجوع إليها في هذه المسألة متعارضة متدافعة.
وتقرير ذلك: أن نقول: الجبرية: عولوا في تقرير قولهم على أن الممكن لا بد له من مرجح.
وهذه المقدمة مقدمة بديهية. وإذا كان الأمر كذلك، فالقادر على الضدين يمتنع أن يرجح أحد الطرفين على الآخر، لا لمرجح. وذلك المرجح ليس منه، وإلا لزم التسلسل، بل هو من الله [1] . وحينئذ يلزم الجبر.
(1) يقول المسيح عليه السلام: «لما كان كل إنسان محتاجا، كان يعمل كل شيء لأجل منفعته.
ولكن الله الذي لا يحتاج إلى شيء، عمل بحسب مشيئته. لذلك لما خلق الانسان خلقه حرا، ليعلم أن ليس لله حاجة إليه. كما يفعل الملك الذي يعطي حرية لعبيده، ليظهر ثروته، وليكون عبيده أشد حبا له. إذا قد خلق الله الإنسان حرا، لكي يكون أشد حبا لخالقه وليعرف جوده. لأن الله وهو قادر على كل شيء، غير محتاج إلى الإنسان. فإنه إذ خلقه بقدرته على كل شيء، تركه حرا بجوده، على طريقه يمكنه معها مقاومة الشر وفعل الخير. وإن الله على قدرته على منع الخطيئة، لم يرد أن يضاد جوده. إذ ليس عند الله تضاد. فلما عملت قدرته على كل شيء وجوده، عملهما في الإنسان، لم يقاوم الخطيئة في الإنسان، لكي تعمل في الإنسان رحمة الله وبره» [برنابا 155: 1610] .