اعلم. أن القائلين بأن العالم محدث، وأن إله العالم قادر مختار. احتجوا بدليل الإحكام والإتقان على كونه تعالى عالما بالمعلومات. وتقريره: أن قالوا: إن أفعال الله محكمة متقنة، وكل من كان فعله محكما متقنا وجب كونه عالما فيلزم كونه تعالى عالما بالأشياء.
فنفتقر هاهنا إلى تقرير مقدمتين: إحداهما: قولنا: أفعال الله محكمة متقنة. والمراد من كونها محكمة متقنة: كونها موافقة لوجوه المصلحة والمنفعة. وهذا إنما يظهر ببيان حكمة الله تعالى في تخليق السموات والكواكب، وفي تخليق العناصر الأربعة، وفي تخليق الآثار العلوية والمعادن والنبات والحيوان والإنسان، وأعجبها شرح [1] أبدان الناس، ولما كان هذا الكتاب الكبير الشريف مملوءا من هذا النوع من العلوم، لا جرم لم يكن في إيراد هذا النوع هاهنا مزيد فائدة.
وأما المقدمة الثانية: وهي قولنا: وكل من كان فعله محكما متقنا، فإنه يجب أن يكون عالما. فتقريره بالأمثلة الكثيرة: فإن الجاهل بنسج الديباج لا يمكنه أن يأتي هذا العمل على وجه الإتقان، والجاهل بالخط لا يمكنه أن يأتي
(1) شرح بدن الإنسان (س) .