أما الجواب عن الشبهة الأولى والثانية: فقد تقدم في الفصل الأول على سبيل الاستقصاء. وذلك لأن قولنا: إن إثبات موجود لا يحصل في داخل العالم ولا في خارجه: محال، إما أن يكون العلم بامتناع هذا القسم علما ضروريا، أو استدلاليا. وبطل كونه ضروريا للوجوه الكثيرة المذكورة فوجب أن يكون استدلاليا. لكن صحة الدلائل التي ذكرتموها موقوفة على إبطال هذا، فلو ثبت إبطال هذه المقدمة، بتلك الدلائل، لزم الدور، وهذا هو الجواب المعتمد الذي يعول عليه.
وأما الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا فإنه سلم: أن الجزم بهذه المقدمة حاصل إلا أنه زعم: أن الجازم بهذه المقدمة هو الوهم لا العقل، وزعم أن حكم الوهم في غير المحسوسات [1] ] باطل غير ملتفت إليه.
ولقائل أن يقول: أتسلمون أن الجزم الحاصل بصحة هذه المقدمة يساوي الجزم الحاصل بالقضايا البديهية الأولية، أو لا تعترفون؟ فإن كان الحق هو الثاني، وهو أن الجزم الحاصل في هذه المقدمة أضعف من الجزم الحاصل في البديهيات، فحينئذ يفتقر الجزم بهذه المقدمة [إلى الدلائل المنفصلة وعند هذا
(1) انظر التعليق رقم 7ورقم 7مكرر في الفصل الخامس. وبعد كلمة المحسوسات في (س) : العاجز عن الانتقال والحركة الخ أي يوجد تقديم وتأخير. وقد ضبطناه من الفصل الخامس.