[203] القلب. فإذا سخن ذلك النسيم احتاج إلى إخراجه من الصدر، وذلك الإخراج سبب لحدوث الصوت، وذلك الصوت يمكن تقطيعه في المخارج المختلفة والمجالس المتباينة، ويحدث لتلك الأصوات بسبب قطعها في تلك المخارج والمجالس هيئات مختلفة هي الحروف فإذا ركبت تلك الحروف الكثيرة حدثت أصناف كثيرة من الألفاظ، يمكن تطبق كل واحد منها على نوع من أنواع الماهيات، وبهذا الطريق يمكن تعريف المعاني التي لا نهاية لها بخلاف سائر الأفعال، فإنه يقف [1] تركيبها على هذه الوجوه الكثيرة.
والثاني: إن هذه الأصوات كما توجد، تنقص، وتعدم فهي موجودة حال الاحتياج إليها، ومعدومة حال الاستغناء عنها، وأما سائر الأشياء فقد لا تكون كذلك.
والثالث: إن الاتيان بهذه الأصوات جاري مجرى الإتيان بالأمر الطبيعي، بخلاف سائر الأعمال، بهذا الطريق صار التعبير عن المعاني الحاضرة في القلوب والضمائر، بهذه العبارات والألفاظ، أولى من التعبير عنها بسائر الطرق. فظهر أن المتكلم عبارة عن فاعل الكلام. لأن المقصود من الكلام:
أن يأتي الإنسان بعمل اصطلحوا على أنه متى أتى به، فإنه يدل على أنه قام بقلبه (ميل إلى شيء، أو نفرة عن شيء. ثم اصطلحوا على جعل ذلك الدليل هو هذه الألفاظ. وهذا كلام [2] معقول، لا مجال للنزاع فيه.
اعلم أن هذا يتفرع على كونه تعالى فاعلا مختارا، وعلى كونه تعالى عالما بالجزئيات.
فأما الذين فسروا ذلك الطلب بالإرادة فقالوا: ثبت أنه تعالى مريدا لبعض الأشياء وكارها لبعضها، فإذا خلق أصواتا في جسم مخصوص تدل تلك
(1) يعتبر (م) .
(2) من (م) .