اعلم. أن كثيرا من الناس، يزعمون: أن كل موجودين. فلا بد وأن يكون أحدهما ساريا في الآخر، أو مباينا عنه في جهة من الجهات الست [1] .
وزعموا: أن إثبات موجود لا يكون حالا في هذا العالم الجسماني، ولا مباينا عنه بحسب شيء من الجهات: ممتنع الوجود. ثم زعموا: أن العلم بهذا الامتناع: علم بديهي ضروري، غني عن الحجة والدليل.
وأما الجمهور الأعظم من العقلاء فإنهم اتفقوا على أن إثبات موجود ليس بمتحيز، ولا حال في المتحيز، وليس في العالم، ولا في خارج العالم: ليس معلوم الامتناع في بديهة العقل، بل الأمر في إثباته ونفيه موقوف على الدليل.
فإن دل الدليل على إثباته وجب القضاء به، وإلا وجب التوقف في إثباته ونفيه.
وهذا القول هو الذي نذهب إليه ونقول به.
والذي يدل على أن الأمر كذلك وجوه: الحجة الأولى: أن نقول: لو كانت هذه القضية بديهة لامتنع وقوع الاختلاف فيها بين العقلاء، لكن الاختلاف واقع فيها، فوجب أن لا يكون بديهيا. بيان الملازمة: أن الجمع العظيم من العقلاء لا يجوز إطباقهم على إنكار
(1) جهات العالم (س)