فهرس الكتاب
الصفحة 318 من 2479

[10] الضروريات. وبيان أن هذا الاختلاف واقع: هو أن الفلاسفة اتفقوا على إثبات موجودات ليست بمتحيزة، ولا حالة في المتحيز مثل: العقول والنفوس والهيولى. واتفقوا على أن الشيء الذي يشير إليه كل إنسان بقوله: أنا. فهو موجود، وليس بجسم ولا بجسماني. ولم يقل أحد من العقلاء: إنهم في هذا القول منكرون للبديهات، بل نقول. إن جمعا من أكابر المسلمين [1] اختاروا هذا المذهب مثل معمر بن عباد السلمي من المعتزلة، ومثل أبي سهل [النوبختي [2] ]، ومحمد بن النعمان من الرافضة. ومثل أبي القاسم الراغب، وأبي حامد الغزالي من أهل السنة والجماعة وأيضا: فأكثر العقلاء من أرباب الملل والنحل المختلفة أطبقوا على تنزيه الله تعالى عن كونه متحيزا، وعن كونه حالا في المتحيز، وعن كونه داخلا في العالم، وخارجا عنه. فيثبت بما ذكرنا:

أن هذه القضية لو كانت بديهة لامتنع وقوع الاختلاف فيها، ولما ثبت أن الاختلاف واقع فيها، بل الأكثرون ينكرون تلك القضية، ويقطعون بفسادها، لزم القطع بأنها ليست من البديهيات.

الحجة الثانية: إن صريح العقل شاهد بأن التقسيم الصحيح أن يقال:

الموجود إما أن يكون متحيزا أو حالا في المتحيز، أو لا يكون متحيزا ولا حالا في المتحيز. ولو أنا قلنا: الموجود إما أن يكون متحيزا، أو حالا في المتحيز.

واقتصرنا على هذا القدر. فإن بدائه العقول قاطعة بأن هذا التقسيم غير تام.

بل لا بد وأن نضم إليه القسم الثالث، وهو الذي لا يكون متحيزا، ولا حالا في المتحيز حتى يتم ذلك التقسيم. ولو أن قائلا قال: هب أن هذا القسم معتبر بحسب التقسيم، إلا أنه معلوم الامتناع بالبديهة. فنقول: ليس الأمر كذلك، لأنا إذا عرضنا على بديهة العقل قولنا: إن هذا القسم ممتنع الوجود، وعرضنا أيضا على البديهة: أن الواحد ضعف الاثنين. فإنا نجد البديهة جازمة بكذب هذه الثانية، وغير جازمة بالأولى. ومن أنكر التفاوت بين الصورتين كان مكابرا في أجلى البديهيات وأقواها. فيثبت بما ذكرنا: إن إثبات موجود ليس

(1) جمهور أكابر (س) .

(2) من (و) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام